Status             Fa   Ar   Tu   Ku   En   De   Sv   It   Fr   Sp  

حول حرية التعبير

في مقابلة مع راديو شرارة (ستوكهولم)


جمشيد اطيابى: اهلاً وسهلاً سيد حكمت. إن أمكن أن تتفضلوا علينا بدءا بطرح توضيحكم وفهمكم للحرية وحق حرية التعبير، وبعد هذا صلتهما بالحرية والديمقراطية، وما هو فهمكم للحرية والديمقراطية؟

منصور حکمت: ان ما تذكره هو مفهوم عام كثيراً. اني أخمن ما هو بالضبط مبعث ان يكون لهذه الموضوعة مشتري الان، وما هو الأمر الذي أدى الى تصاعد الحديث عن هذا الموضوع في الأوساط التي يُذاع فيها برنامجك. ياليت انه رُميت بيضة أخرى (على عناصر النظام-م) كذلك حتى يُطرح موضوع الاشتراكية أيضاً.[*] ولكني أعتقد ان الخطوط العامة لموضوعة حرية التعبير هي التالي: أولاً، حرية التعبير لا تعني فقط حرية الحديث. في مكان ما في مقالة كتبها، حسب ما أعتقد السيد عسكر اهنين من مركز الكُتّاب، وورد فيها ان صنّف الكتاب والفنانين هم أكثر حاجة لحرية التعبير من –على سبيل المثال أمرء ميكانيكي أو عامل بسيط وذلك لأن عمله يتعلق بالكتابة والحديث، وعلى هذا الأساس فانه اكثر حساسية تجاه حق حرية التعبير. ان هذا التصور لحرية التعبير، بأن حرية التعبير تعني حرية الحديث وحرية النثر وحرية الكتابة، هو تصور خاطيء. حرية التعبير بوصفها احد الحقوق المدنية للناس، حرية إبراز والتعبير عن الوجود، حرية الحديث والكتابة وصناعة الافلام والإحتجاج وإطلاق الشعارات، وأي شكل من الاستعراض والعرض وأطلاع الاخرين والمجتمع برأي الفرد وإحساسه الخاص بقضية معينة. من حق الفرد ان يطلع المجتمع بإحساسه وان ينتبه المجتمع لنقده، وينبغي ان لا تكون هناك أية حدود ومحدوديات على ذلك، أي وفق التقليد الشيوعي القديم.

حين كنا ندوّن قبل عشرين عاماً برنامج إتحاد المناضلين الشيوعيين، رجعنا لبرنامج الحزب البلشفي. كانت هناك صيغة "حرية التعبير بدون قيد أو شرط" و" الحرية السياسية غير المشروطة" ومن بينها "حرية التعبير بدون قيد أو شرط". وبرأينا، كانت عقلانية تماماً، وذلك لأن أي قيد أو شرط على حرية التعبير يعني إطلاق أيادي أناس بوسعهم ان يمارسوا هذه القيود والشروط. ليس بوسع إنسان عادي ان يضع رقابة بمؤسسة إجتماعية أو مؤسسة سياسية، وفي كل منظومة الاعلى هو من يراقب ويتحكم بالادنى دوماً. وبالتالي، وضع أي من أشكال القيود والشروط مثلاً "الحرية للجماهير"، أو "حرية تعبير الوطنيين" أو "حرية التعبير للثوريين" أو "حرية التعبير للأفكار الخلّاقة"- أي ثمة ظاهرة بوصفها قاضي أو حاكم تحدد وتعرّف هذه العوامل والعناصر، وهي الدولة، الدولة أو أي مسؤول آخر في المجتمع. في بلدنا، هي الدولة دون شك، نوع من مؤسسة الإسلام والملالي.

ينبغي أن تكون حرية التعبير وحرية الفكر بدون قيد أو شرط، لقد دوّنا ذلك قبل عشرين عاماً في برنامج "إتحاد المناضلين الشيوعيين"، وعلى فوراً الصوت الحتجاجي لثوريي ذلك البلد بان حرية التعبير للجماهير والقمع لمعادي الشعب أو الحرية للعمال والكادحين والقمع للمستغلين، قالوا ان "الحريات السياسية بدون قيد أو شرط" ليبرالية و أنهم كتبوا بـ"لغة الزائلين" (وقصدهم الراحلين-م) في برنامجهم. وان هذا دليل وإثبات على تروتسكيتهم أو على سبيل المثال عدم ثورية "إتحاد المناضلين". أتذكر، في ذلك الوقت، أرادوا إغلاق صحيفة "الميزان"، جريدة المهندس بازركان(۱). وأطلقوا إشاعة إننا مضينا عبر صيغة للدفاع عن جريدة الميزان، وان صيغة حرية التعبير بدون قيد أو شرط لخدمة هذا الأمر.

مر اليوم وقت طويل على تلك الفترة، وأعتقد ان الجميع الان يتحدث بمقولة الحرية بدون قيد أو شرط، على الأقل لفظياً. ولكن الأمر الذي ينبغي، في المطاف الأخير، لفت الانتباه اليه هو ان هذه المقولة ليست مرتبطة بالسياسة فقط، ولا فقط بالثورة والنضال الثوري، ولا حرية الأحزاب السياسية ولا حرية إبداء الرأي تجاه المجتمع. انها حرية أي شكل من ابراز الوجود الفردي الذي يبين راي ما تجاه العالم. ان أحد المواضيع المثارة على سبيل المثال في أمريكا والكثير من البلدان الاخرى فيما يخص حرية التعبير، قضية حرية التعبير ومقولة "الحياء العام". موضوعة البورنوغرافي (الاباحية)، على سبيل المثال، هل من حق الانسان أن يُصور سلوكه الجنسي ويعرضه للناس أم لا؟ أو على سبيل المثال في أمريكا أيضا، هل من حق المحتجين إحراق علم أمريكا أو ينبغي منع هذا الامر؟ لهذه اللحظة لم يتمكن المتعصبون الوطنيون في أمريكا أو اليمينيون من إدراج منع حرق العالم في القانون. ان مبدأ حرية التعبير يتحدث عن: ليس بمقدروك القيام بهذا العمل (اي إدراج هذا المنع في القانون). من حق المرء ان يحرق علم أمريكا، ويعبّر عن رأيه. ما أود قوله هو ان حرية التعبير لا تتعلق بالسياسة والحزب السياسي والثوري والمجتمعات الاستبدادية فقط، بل اي نوع من أنواع تحكم المجتمع بامكانية ان يقول الفرد كلامه باي مستوى يفضله ويرغبه ويبلغ البقية بذلك. ينبغي ان تكون حرية التعبير بدون قيد او شرط وتشمل جميع الميادين. ان ما هو مدوّن في برنامج الحزب الشيوعي العمالي، وهو ما أود أن الفت انتباه المستمعين اليه هو اننا ذكرنا هناك حرية النقد، وليس ثمة عنصر أو مقدسات بوسعها أن تضيّق على حرية النقد. على سبيل المثال، ما يتعلق بنقد ألأحاسيس الجماعية للجماعات الخاصة. برأينا، يجوز أيضاً نقد الأحاسيس الجماعية للجماعات الخاصة أو القومية أو الشعبية كذلك. أو حين بتعلق الأمر بالمعتقدات الدينية للاخرين، ليس بوسع "المقدسات الدينية" و"الوطنية" و"القومية" او عوامل مثل "الاقتصاد الوطني" أو "أمن البلد"، برأيي، أن تجعل الدولة تحول دون السماح للمواطنين بابراز وجودهم وتعبيرهم.

ان هذه هي كل موضوعة مقولة حرية التعبير بمعنى حق. وثمة موضوعة قد طُرِحَت الآن تخص خطاب أو حضور عناصر النظام في الخارج، ومفاد هذه الموضوعة هي: هل ان الاحتجاج على خطاب أو اقامة تجمع، على سبيل المثال تنظيم تجمع ضد خطاب ما أو التصدي لالقاء خطاب. هل هذا نقض لحرية تعبير المتحدث أم لا؟ ان هذا يستلزم من الذين طرحوا مواضيعهم حتى الان أن يضيفوا توضيحاً الا وهو ان حرية التعبير هي حرية الأدنى. صيانة تحدث وتعبير الأدنى من الأعلى. ان هذا ما يعنية تعريف حرية التعبير من الناحية الحقوقية. بمعنى إذا كنت تتحدث، وأتيت أنا وأحدثت على سبيل المثال جلبة وضجيج كي لا يبلغ صوتك للمستمع، فانا لم أنقض حرية تعبيرك، بل على العكس، اني أقوم بحرية تعبيري وتجسيده. إن أحدثت ضجيجاً وقرعت الطبول، فاني أمنعك من التمكن من الحديث. انك حر في قول كلامك، لم يمنعك أحد من الحديث، بيد اني بحديثي، وباي نشاط من نوع آخر، سواء تظاهرة أو تجمع، حِلت دون إيصال كلامك لمخاطبيك. ليس في هذا أية مثلبة. أتذكر قبل عدة سنوات في السويد، قام الفاشيون بتظاهرة، كانت في ستوكهولم إن لم أكن مخطئاً. المحاربون القدامي لمرحلة الحرب العالمية الثانية، أتوا باعمارهم المسنة، ولوّذوهم بالفرار بالمظلات والعصي. كان الجميع فرحاً بهذا العمل. لم يتحدث أحد عن: دع الفاشيون يتكلمون! ينبغي للفاشيين أن يتكلموا، وتكلموا، ونالوا حرية تعبيرهم كذلك من الحكومة السويدية، تم تأمينها لهم ونصبوا لهم منصة لذلك، وكانت الشرطة منهمكة بتأمين تمكنهم من عقد إجتماعهم. دعا طرف ما الناس، فضحهم، أحدث جلبة، ولم يدعهم إقامة تجمعهم بالشكل الذي ينشدون. أو على سبيل المثال إذا أراد الفاشيون مرّة في الغيتوات اليهودية أو الغيتوات الاسلامية أن يستعرضوا كرههم للأجانب، من المعلوم أن يتجمع الناس هناك، يطلقون صيحات الإستهجان ويحدثون ضجيجاً ولا يدعوا الفاشيين أن يتحدثوا، انه إبراز حرية تعبير ضحايا الفاشية الذين أتوا هنا ومنعوا تكرار كلام الفاشيين ذاك. ان حرية التعبير هي مفهوم يتعلق بصلة الذين في الحكم مع من يرزحون تحت هذا الحكم، صلة الحكومة بالمواطنين، صلة الحاكمين وأولئك الذين يعيشون في ظل حكم هذه السلطة، وليست سلطة افقية بين مواطنين. فالأخيرة لا صلة لها بمفهوم حرية التعبير. انها ذا صلة بالكرم والأدب والتحمل ومن هذا القبيل، ولكن ليست لها صلة بمفهوم حرية التعبير والتعريف الحقوقي لحرية التعبير الذي ناضلت الجماهير عمراً من أجلها. ان ضجيج جار من اجل إسكات جار له ليس ذا صلة بمفهوم حرية التعبير.

جمشيد اطيابى: تحدثت سيد حكمت عن إن "الأعلى"، الحكومة، تقوم بالرقابة وتسلب حق حرية التعبير من المواطن. ومن أجل أن لا يُسلب حق حرية التعبير هذا من المجتمع، على أية حال، هناك رأيان: الأول، يُقدم الحرية على الديمقراطية ويتحدث عن انه، وعبر تأمين الحرية التامة، يمكن تحقيق الديمقراطية الحقيقية، أي التوزيع العادل للثورة في المجتمع. فيما يرى رأي آخر انه، ومن أجل أن يتمكن الإنسان من تأمين حرية التعبير التامة وتحقيقها، ينبغي إرساء الديمقراطية بمعناها الحقيقي، أي التوزيع العادل للثروة وإلغاء الملكية الخاصة وإرساء الملكية الاجتماعية في المجتمع. كيف ترى الأمر؟ أ تعتقد ان الديمقراطية لها أولوية على الحرية أم الحرية على الديمقراطية؟

منصور حکمت: في الحقيقة يُسمى التعريف الذي طرحته للديمقراطية في قاموسي الاشتراكية. ان المساواة الاقتصادية وإلغاء الملكية الخاصة يُسمى في قاموسي اشتراكية. على أية حال، أفهم تصورك. ولكن اسمح لي أن ارد على السؤال بصيغة الاشتراكية واستخدم هذه اللغة. هل ان حرية التعبير هي أمر من المقرر أن يتحقق بعد الاشتراكية أم انها نفسها أداة تحقيق الاشتراكية. لأتحدث لك عن مجتمع حر. هل ان حرية التعبير هو شرط مسبق لمجتمع حر أم ثمرة له؟ إذا افترضتُ اني فهمت سؤالك بهذا الشكل، بوسعي أن أرد بعدّة جمل. برأيي، ان حرية التعبير هو حق فوري ومباشر ولا يقبل التأجيل لكل انسان أتى للعالم، سواءً أكان المجتمع يمضي صوب الاشتراكية أم لا يمضي. ومهما يكون عليه غدنا، فان حرية التعبير بذاتها مهمة، بذاتها حق طبيعي وحق ذاتي لكل إنسان وينبغي تأمينه في أي نظام. ليس الأمر بأن يقول أحد ما على شاكلة: لاحظ أيها الصديق العزيز، نظراً لكوننا نمضي نحو الاشتراكية، ينبغي إسكات الشخص الفلاني، لكني أقول: أها، ولأننا نمضي صوب الاشتراكية، أليس من المخجل أن تسكت جمع ما. انها جزء من حقوقهم. دعني أعرّف الامر بهذا الشكل مؤقتاً: حرية التعبير هي حق وذلك لوجود هوية الانسان صرفاً ووجود الانسان صرفا، وهذا الحق يأتي معه. ليس من المقرر ان يكشف شخصاً عن وثيقة رسمية كي ينال هذا الحق. كل انسان يأتي لعالمنا هذا وتطأ أقدامه الارض له حق ان يتفاعل مع هذا العالم بحرية.

ليس من حق أي بشر آخر و ليس مسموحاً له أن يعترض الصلة الحرة لإنسان ما بمحيطه. ولهذا، فان حرية التعبير حق فوري، أنى كان ذلك. سواء أكانت الاشتراكية على الابواب أو مجتمع أعطى وعداً بالحرية أم لم يعطِ ، هو حق ينبغي نيله ومنحه. لا يمكن لأي مجتمع أن ينال الحرية عبر أساليب غير حرة. أعتقد ان ليس بوسع أية اشتراكية أن تتحقق عبر التضييق على حرية الانسان في المجتمع الراهن، ويعبر مسيره من طريق غير حر أو نوعاً من الخضوع والاخضاع. اذا كان هذا الامر قد جرى في التاريخ، فان تلك لم تكن اشتراكية .... (قطع الصوت) أو تطور الرأسمالية في بلد، عملوا باسم الاشتراكية. وجراء المكانة التي كانت تتمتع بها الحركة العمالية والشيوعية، أطلق الكثيرون على انفسهم كلمة اشتراكية وعملوا باسم الاشتراكية. مثلما عليه الآن يطلق كل انسان يبغي أمراً ما على نفسه نصير الديمقراطية. الان في جميع أنظمة العالم، اصبحوا موالين للديمقراطية، وتظهر الف تجربة وتجربة ديمقراطية. بوسع أي فرد ديمقراطي بين شارحتين دون شك أن يقول لك ان أولئك غير ديمقراطيين، وان هذه غير ديمقراطية. والأمر نفسه يسري على الاشتراكية كذلك. ان نضال الاشتراكية هو في كل لحظة منه نضالاً تحررياً وحراً. ليس نضالاً نقول فيه ان هذه المرحلة صعبة، ينبغي أن نمارس الرقابة على انفسنا والاخرين، نضيّق عليهم ونتحمل الأسر، وبعدها نتحرر، وبعدها، انشاء الله في ذلك المجتمع الحر، يحل يوماً نعيد فيه حرية التعبير لجميع الناس. ينبغي تأمين حرية التعبير من الان وفي كل نظام. مهما يكن المسار الذي يتجه له التاريخ.

جمشيد اطيابى: ان ما طرحته الآن سيد حكمت صحيحاً. من جهة أخرى، ان التكنولوجيا والرأسمالية قد تطورتا من الفضائيات الى الإذاعات المحلية التي لدينا تستفيد منها للتعبير. على اي حال، ان بوسع الستلايت أو القمر الصناعي أن يذيع برامجه في اي مكان من العالم. لا نتمتع بهذه الإمكانية، وهنا تُطرح قضية الديمقراطية وصلتها بالعلاقات المالية. أي من الناحية الاقتصادية، لا نتمتع بهذه الامكانية، ومئة بالمئة، اذا تمكنت هذه الاذاعة من البث لإيران، فان التأثير الذي بوسعها تركه يختلف كثيراً من تأثير بثه على صعيد مدينة فقط.

منصور حکمت: فهمت الآن قصدك. أي انك تتحدث من الناحية المالية. ليس بوسع حرية التعبير والحريات الفردية أن تتحقق بهذا الشكل إن لم تُرسى المساواة في المجتمع، بحيث لا يكون هناك امتياز لأحد ولا تتمركز وسائل الاعلام بيد أحد، ولا يحتكرها أحد أساساً. أتفهم هذا وأوافق عليه تماماً. ينبغي التمييز ما بين حرية التعبير بوصفها حق، بوصفها حق يمكن الاستفادة منه بصورة تقل أم تزيد أو حرية التعبير بوصفها حقيقة وواقع تُمارس في حياة الناس. حين نتحدث عن حرية التعبير بوصفها حق ينبغي التمتع به من الآن، من الناحية الشكلية، ينبغي التمتع بها بوصفها حق من الآن. أي بوسعك ان تقول اني لست CNN ولست إعلاميا في CNN وبيدي وسائل الإعلام وانا رئيس مؤسسة كيث روبرت مردوخ، ما تقوله صحيحاً باني لست مثل مردوخ أو رئيس برلمان وليس بوسعي إيصال صوتي الى الناس، ولكن من منعني بصورة سلبية من التحدث؟ إذا تكلمت، لن أُجابه بقوة قمعية. ان هذا هو اختلاف مجتمع استبدادي مثل ايران عن أوربا الغربية وأمريكا. وان يكن الأمر هنا نسبياً دون شك لأن هناك الف كمامة يغلقوا بها أفواه الناس. ولكن من الواضح ان هناك فرقاً في مجمل القضية وهو اذا تحدثت هنا، لا يبلغ صوتك أحد، وليس لديك ميكرفوناً وبُعد ومدى كلامك ووقعه ضئيل. ولكن لا تُجابه بالضرورة بشرطة وقوة قمعية لتأتي لاعتقالك جراء ما قلته. في مجتمع مثل ايران، ليس لديك أية وسيلة إعلامية ولا يصل صوتك لأحد، ليس هذا فحسب، بل أولئك الشخصان الذين يصلهم صوتك، اذا كتب أحدهم تقريراً بانك تفوهت بمثل هكذا كلام، ولأنك فقط تفوهت به، فانت متهم، وتتم مطاردتك وتُقمع. أن تكون لديك حرية تعبير يعني انك مجاز من الناحية القانونية بأن تقول كلامك. افترض انك تريد ان تنتج فلما في السويد، وتنتقد مؤسسة الدين، وعلى سبيل المثال، ان تقول ان المسيح خرافة، أو ليس للمسيح وجود واقعي، وان الأبحاث أثبتت ذلك، أو تنظم مسرحية وتوضح آخر وساوس المسيح ليس في هذا إشكال. على الأقل، في خطوطها العامة، لا تأتي إدارة الرقابة وتقول ليس بوسعك إنتاج هذا الفلم، ليس بوسعك قول هذا، ان هذا معارض للقانون أو أقبض عليك وأعتقلك وأعذبك. ليس الأمر هكذا في ايران. في ايران حرية التعبير حق بوصفه حق شكلي، بوصفه شيء اذا لم تمتلك أداته وماليته بحيث تمارسه وتروج له على نطاق واسع، فانه، زد على هذا، ليس بوسعك على الاقل ان تقول كلامك حتى بصورة عامة. في ايران التعبير والنقد محضور ومحدود. ان فرق كلا المنظومتين يتمثل بهذا. وبالطبع، مثلما ذكرت ان المنظومة ذاتها في الغرب تبث الخوف في الاخرين، تحيلهم على التقاعد، تطردهم من العمل. ليس بوسع أي عامل أن يتحدث عن الشركة التي يعمل بها، ليس بوسعك الحديث بوجه رب العمل وضده، ليس بوسع أي موظف أن يقول ما يريد فيما يتعلق بالإدارة ورئيسها، وإذا كانت مقالات الصحفيين الذين يعملون في وسائل الإعلام المختلفة، ليست مبعث موافقة وقبول الأعلى منهم، لا يرتقون في السلّم الوظيفي، وبالتالي هناك اسلوب آخر غير الشرطة والجيش والتشكيلات القمعية للتحكم ومراقبة العقائد. ان الفرق بينهما يكمن هنا. وبهذا المعنى افهم كلامك تماماً. ولكي ينال الناس فعلاً أي شكل من الحرية بصورتها النموذجية والمضمونة، وحتى الاستفادة من حريتهم بشكل متساوٍ، ينبغي أن يُرسى الأساس الاقتصادي للمجتمع على أسس متساوية. ليس في هذا أدنى شك. أعتقد ان الموضوع الذي نتحدث عنه الان يتعلق بحق حرية التعبير اكثر منه ممارسة حرية التعبير. لأنه إذا أردنا فعلا ان نصل الى ان المجتمع يتمتع بالحرية، فينبغي ان يكون من ناحية الأساس الاقتصادي حراً، ولا يكدح قسم من المجتمع لقسم آخر، ينبغي ان نكون قد أطلقنا كلاماً كثيراً في هذا النظام المغلق نفسه وبدون وسائل الاعلام هذه. ينبغي الهبّة ضد النظام الحالي، وانها لحقيقة ان وسائل الإعلام ومؤسسات صياغة الافكار بيد الطبقة الحاكمة، وان على الثورة أن تندلع ضد كل هذه المنظومة، ينبغي الشروع من نقطة انطلاق أدنى كثيراً، ولكن ينبغي نيل حرية التعبير في المنظومة نفسها، بحيث تتمكن من أن تقول كلامك في جرائد صغيرة وإذاعات صغيرة. ان هذا اختلاف مادي. ونظراً لكون، على سبيل المثال، وسائل الاعلام هنا متمركزة بيد الطبقة الحاكمة، فان حرية التعبير هنا ليست مبعث تهديد بالقدر ذاته مثلما هو الحال في بلد مثل ايران او السعودية العربية.

حمشيد اطيابي: سيد حكمت، طرحت في احاديثك التي تفضلت بها انه في نظام عادل وفي نظام اشتراكي، وكي يكون كل انسان قادر على التمتع بحرية التعبير بصورة تامة، ينبغي ان تكون وسائل الاعلام والمطبوعات تحت سيطرة الدولة. هل بعد الإطاحة بالنظام -على اية حال انها احتمالات على أساسها نطرح مواضيعنا- ووقوع السلطة بيد اليسار، هل تقر برايك بوجوب منح حق حرية التعبير وإمكانات تعبيرك وارائك مرة اخرى لعناصر الجمهورية الاسلامية أم لا؟ أي أولئك الناقلون لأفكار الجمهورية الاسلامية وليس أولئك الذين هم مفاصل الدولة العاملين الآن.

منصور حکمت: دعني اصلح بدءاً مقدمة هذا السؤال. لم أقل ان على الدولة أن تتدخل وتكون وسائل الاعلام حكومية. بوسعي أن أوضح هذا إن اقتضت الضرورة...

جمشيد اطيابى: كلا، على أية حال حول الرقابة المركزية لوسائل الاعلام....

نفس الشيء، لا أومن بهذا. حتى ان المجتمع الراهن يوفر أساليب أخرى برأيي. على سبيل المثال، الانترنيت والشبكات الإذاعية والتلفزيونية والصورية والصوتية التي على الانترنيت. وعليه، بوسع كل واحد منا أن تكون له إذاعة أو تلفزيون على شبكة الانترنيت، وهذا يعني كسر احتكار الآخرين. ولكن لا أود أن أعود الى هذا الآن. لا أعتقد انه ينبغي ارساء دولة خيّرة او دولة عاقلة بوسعها أن تسيطر بصورة حرة على كل شيء، وتقوم بتوزيع حصص بحيث تمنح كل واحد منا ۲۰ دقيقة بالتساوي. لندع هذا جانباً.

فيما يخص عناصر الجمهورية الإسلامية أو موالي الجمهورية الإسلامية إجمالاً: في عشية الثورة، وحين وصول اليسار للسلطة، ماذا يحل بحقوقهم فيما يتعلق بحرية التعبير؟ إن هذا ما سألته حسب اعتقادي. برأيي، ينبغي ان نميّز ما بين حرية التعبير والنقد والتصريح بكلامك وبين التنظيم والعمل بحركات سياسية معينة. أعتقد ان حرية التعبير هي أن يكون للمجتمع تحمل ليسمع أكثر الافكار غرابة. ينبغي ان يكون صاحب أكثر الافكار غرابة وسماجة قادراً على القول ان هذه هي أفكاري ويريد إيصالها لمسامع الآخرين. لا أرى أية مثلبة في هذا. لنترك موالي الجمهورية الاسلامية جانباً، افترضوا ان الإسلام نفسه هو مبعث على الاشمئزاز بالقدر ذاته الذي عليه الاسلام السياسي برايي، المسيحية نفسها مبعث اشمئزاز بالقدر ذاته بالنسبة لي عليه المحاكم التفتيشية في اسبانيا وجرائمها قتل قرون وسطاها، وان يكون ابطال البلد هم نفسهم أبطال حروبه الذي يسفكون الدماء في فيتنام وبعدها يعودوا لتسلم الانواط والنياشين هو أمر بشع بحد كاف، شنيع جداً، وهناك حوادث كثيرة تستطيع أن تجلس وتعددها وقل لي اي منها تتعارض معي، ولست على استعداد لتحملها، بوسعك إدراج قائمة طويلة من أشياء صادمة، بشعة، غريبة وفي قاموس الحرية هي كفر، بوسعك فعلا أن تعددها. إن أمرأ يدافع عن عمل الاطفال، وآخر يقوم بالدعاية بأن ينبغي ان يدفع كل مستهلك للدواء ثمن دواءه، ومنهمك بطرح نوعين من الطب، أحدهما للفقراء والآخر للأغنياء، على سبيل المثال أن يأتي أحد ويحكم على الناس بالعيش في اوضاع بيئية خاصة دون ان يكونوا على إطلاع بتجارب كيميائية او تجارب اشعاع ذري تقام هناك، قاموا بكل هذه الاعمال في المجتمع. ان كل هذه مستهجنة. بيد ان حرية التعبير ومقولة حرية التعبير تعني ان المجتمع يتحمل أكثر الافكار غرابة وعجباً وتتمتع بإمكانية ان تعرض وجودها وتدعها كي يسمعها الناس. إذ إذا أردت حذفها، عندها ينبغي أن تحدد قاضي وحَكَم يقولا لأية افكار نعم ولأي غيرها كلا، وان هذه بداية قضية الرقابة وبداية القمع. حرية التعبير يعني لكل أمرئ الحق في أن يقول كلامه، فمقدماً نحن لانعرف الحقيقة، لنفترض على الأقل اننا لا نعرف الحقيقة سلفاً. لندع على الأقل كل يقول كلامه. ان هذا يختلف عن وجود منظومة تسمح على سبيل المثال للفاشيين الهتلريين أن ينظموا أنفسهم مرة أخرى ويشنوا حملات على محلات الاقوام الاخرى ويقتلوهم، أو مثلا ينظّم الاسلاميون أنفسهم مرة أخرى ويلغموا روضات الاطفال بالقنابل ويفجّروها. ثمة فرق بين هذين الامرين. ثمة فرق ما بين اسلامي متشدد رجعي تكون لديه إجازة قول كلامه وأن تكون له جريدة، وبين وجود تنظيم إسلامي رجعي لديه إجازة القيام بأعمال تفجيرية، وان مجمل شائكية عمل دولة متحررة وحرة هو أن تبقي على هذه الحدود. بوسعها أن تبقي على هذه الحدود بأي ثمن. إذا مضيت لغلق أفواه الناس، عندها لن يكن مجتمعاً حراً. ولكن إذا نظمت آليات يكون فيها بوسع المجتمع أن يدافع عن نفسه بشكل جيد ضد الحركات الرجعية والحركات المعادية للإنسان، عندها سيكون نظام سياسي حر. أقول ذلك بمعنى بعد ثورة اليسار، قد يقول جمع اننا لازلنا نعتقد ان للسيد خميني حق، اذا كنت في إدارة ذلك المكان وأقول شيئاً حسنا فهو: دعوه يقول كلامه! وهو يقول كلامه. إذا رأيناه يبني تنظيماً، ويقول للجميع هذا عنوان ومقر منظمتي. ينبغي أن تكون مكاتبهم مفتوحة وخطاباتهم علنية. لا ندع مجال لنزعة التآمر. واذا ارادوا إزعاج أحد، إذا أرادوا القيام بعمل غير قانوني، نتصرف فوراً تجاه عملهم غير القانوني نفسه. فيما يخص الأشخاص الذين كانوا في ما يسمى منظوماتهم، برأيي ان الإنسان مذنب أم غير مذنب. لنفترض ما يخص مستقبل ايران، لمجتمع حر قوانين عادلة، إذا كان مذنباً- تُتخذ العقوبة والجزاء المناسب لذلك الجرم. وخارجاً عن ذلك لا ينبغي إلحاق الأذى به. اذا أطلقوا سراح انسان ما، ينبغي ان يمشي في الشارع على طوله، يمضي للجامعة ليدرس أو ليعمل، يركب الحافلة، بوسعه العيش جنب الى جنب بقية الناس، ويتمتع ببقية حقوقه أيضاً. وبالتالي، فيما يخص محاسبة وسلب حقوق أناس عملوا مع هذا النظام، ينبغي تعريف الجريمة بشكل فردي والعقوبة بشكل فردي برأيي. الجرم الجماعي والعقوبة الجماعية هي عمل خطر جداً، ولا ينبغي القيام بهذا العمل برأيي. لا ينبغي القول: تُسلب الحقوق المدنية الفلانية من كل من عمل في إدارات الجمهورية الاسلامية. لأنه غير منصف أولاً، وثانيا، لأنه ليس معلوماً ما هي موضوعة هذه الجريمة أو من قام بها؟ كل فرد في الجمهورية الاسلامية هناك شكوى عليه، ينبغي النظر اليه وقضيته وإرساله للمحكمة. يمكن أن ينال ۳ سنوات حبس، من الممكن أن لا يُحبس، قد يدفع غرامة، يمكن اي يحيلوه لألف عمل آخر، ولكن لا ينبغي تعريف الجريمة بشكل جماعي. لا ينبغي ربط القرارات حسب العقائد والقول: ينبغي حرمان من يؤمن بهذه الظاهرة من تلك الحقوق في المجتمع. إن هذا أمراً غير مسموح به.

جمشيد اطبابى: سيد حكمت في الاخير، تفضل اذا لديك كلمة أو رسالة لمواطنينا، للمستمعين الاعزاء. وإذا لا، نشكركم جزيلاً.

منصور حکمت: إنه لوقته، بوصفي انسان حزبي ووفي لحزبي، ان أوجه النداء لمستمعيكم لقراءة جرائدنا. أعتقد ان أي انسان منصف ولا تثقل كاهله الخلفية التنظيمية لشخصه في السنوات العشرين السابقة، كل أمرئ يقارن المواضيع المطروحة في الجرائد وكل أمرئ يقارن الاهداف السياسية للتيارات، بوصفه انسان داع للحرية واشتراكي، بوسعه أن يبلغ نتيجة انه حلت ساعة الانضمام للحزب الشيوعي العمالي. في حركتنا، ليس "مودة" أن يأتي احد من الخارج ليقول: ايها الجماعة انضموا الى حزبنا! ولكن ينبغي علينا القيام بذلك. لأنه ليست هناك فرص كثيرة. الجمهورية الاسلامية في أزمة عميقة. ينبغي إنجاز العمل معها، وبرايي هي ان يظهر الاشتراكيون والشيوعيون العماليون والطبقة العاملة بصورة مستقلة. ان يظهروا خلف رايتهم ولا يسمحوا لتلك الجماعة التي على امتداد قرن جرّت تاريخ هذا البلد الى هذا الطرف أو ذاك، وأطلقوا استبداداً بعد اخر من حقيبتهم، أن يتحكموا في الساحة. ان ندائي ودعوتي لكل من يستمع لبرنامجكم، ببساطة، أن ينضّم الى الحزب الشيوعي العمالي وأن يتوحدوا بالحزب الشيوعي العمالي. بوسعنا ان نخلق تغييرات مهمة في البلد برأيي. أشكركم جزيل الشكر.

جمشيد اطيابى: عفواً، نشكرك جزيلاً لمنحنا جزء من وقتك وقبلت ان تجري مقابلة معنا. بالتوفيق والظفر.


- جمشيد اطيابى مؤسس والمدير المسؤول لإذاعة شرارة في ستوكهولم وتبث برامجها من عام ۱۹۹۲ في السويد.
* قصد منصور حكمت مجيء اغلب المعارضة الايرانية وراء مفهوم حرية التعبير بدون قيد وشرط، وفي حالات كثيرة لفظياً، جراء النشاطات الواسعة للحزب الشيوعي العمالي الايراني ضد الجمهورية الاسلامية وعناصرها في الخارج، وتسابق الكثيرون اليوم بالحديث عن "حرية التعبير بدون قيد أو شرط"! (المترجم)
(۱) مهدي بازركان، رئيس وزراء اول حكومة مؤقتة بعد سقوط الشاه، كلّفه خميني بتشكيل الوزارة لاستمالة الليبراليين واليسار وتبديد مخاوفهم. لم تستمر حكومته سوى ۹ اشهر لينقلبوا عليه، ويعلنوا الجمهورية الاسلامية.
(جرت المقابلة في ۱۵ حزيران ۱۹۹۸، والنص مُدون نقلاً عن تسجيل صوتي.)

ترجمة: فارس محمود


Arabic translation: Faris Mahmood
hekmat.public-archive.net #4015ar.html