Status             Fa   Ar   Tu   Ku   En   De   Sv   It   Fr   Sp  

الاحزاب السياسية والصراع الطبقي


مقدمة المؤلف: قبل ان نستهل بحثنا هذا حول "كومله"...[١] وكردستان، ارى من المناسب ان اعود الى الحلقة الدراسية السابقة...[٢] والى المواضيع ذات الطابع النظري والتحليلي التي طرحتها هناك. اود التحدث هنا بشكل محدد حول الاحزاب السياسية وعلاقتها بالمجتمع والتاريخ الاجتماعي وبالطبقات، انني بحاجة لهذه النظرات الاولية، لانني ساتطرق، في مسار البحث الى بعض المسائل المهمة، منها:

اولا تقييم العصبة.. لنسأل انفسنا ما الذي نتوخاه من هذه العملية؟ اهو تقييم منظمة، حركة، تقييم فترة محددة ام طبقة محددة؟ حينما نتحدث عن (افاق عملنا في كردستان) يحب ان نوضح فيما اذا كنا نقصد بذلك افاق عمل حزب في كردستان او افاق عمل طبقة ام افاق عمل حركة قومية؟ يجب ان نوضح بان الحديث حول اي من هذه المواضيع يحتل مكان الصدارة؟.. وهكذا والى الحد الذي يرتبط بحثنا بالعصبة، فانها، كما، ساوضح لاحقا في سياق البحث، جزء لايتجزأ من تاريخ اوسع ذلك انها ليست منظمة الحزب الشيوعي في الخارج بحيث لا يترك وجودها من عدمه تاثيرا مهما ومباشرا على العالم المحيط بها. ذلك ان العصبة هي منظمة اتخذت، تاريخيا، موقعا في قلب المجتمع وترتبط معه بوشائج قوية. لذلك فان بحث تقيم العصبة هو بحق تقييم منظمة سياسية في تاريخها المعاصر وادراك للعلاقة المتبادلة بينهما.

ثانيا يجب ان اتطرق الى هذه المقدمة التحليلية لانه ينبغي علي ان اتحدث قليلا عن المسائل الطبقية والقومية في كردستان كما يجب ان اوضح هنا علاقة هذه المسائل الاجتماعية بالحزب الشيوعي في كردستان. وختاما يجب ان اشيرالى هذه المقدمة لانني اود توضيح الحدود المنهجية التي تفصلني عن الاتجاهات الاخرى التي اراها في هذا الحزب كما تمنحني هذه المقدمة الفرصة اللازمة لتعريف هذه الميول وتمكنني من تحديد المنهج الذي تواجه به عملنا في كردستان وفي صفوف العصبة وبالاشكال التي تتبدى الاختلافات فيما بين هذه الميول.


الصراع الطبقي والاحزاب السياسية


تحدثت في الحلقة الدراسية السابقة عن نظرة ماركس الى التاريخ، التي هي في الواقع نظرة سائرالمؤمنين بموضوعية حركة التاريخ، والتي تتمثل في ان موضوعية التاريخ تكمن في قنونة حركته، انه ليس سلسلة من الاحداث والوقائع التى تقع اعتباطا كما انه ليس تلك الاحداث التي تقع بناءا على ارادة الافراد في اية فترة محددة. ذلك ان للتاريخ قانونا اساسيا يتحرك وفقه. حاولت ان اشير في الحلقة المذكورة، باختصار، الى كيفية توضيح ماركس لهذه الحركة المقنونة. انه ينطلق من مسالة ان الناس في سعيهم الحتمي من اجل بقائهم المادي كافراد ولاجل اعادة انتاج انفسهم بوصفهم اناسا، يدخلون في علاقات اجتماعية متبادلة. ان المجتمع يمثل الشكل الاولي والشرط المسبق لوجود الانسان وفي كل مرحلة يعيش فيها الناس سوية ضمن علاقات اجتماعية فانها (اي العلاقات – المترجم) تنتظم حول الانتاج واعادة الانتاج لذا فان السئوال هو : كيف يتغير هذا المجتمع؟ وما هي الحكمة التي تقف وراء هذا التغير؟ يكتشف ماركس بداية خيط مجمل التطور التاريخي في صلب العلاقات نفسها. ولكنه يسعى لكشف تكون المجتمع ومسار التاريخ من خلال تحليل الانتاج بصورة مباشرة حيث يثير ويطرح بصورة تدريجية اوجها ومستويات مختلفة من التحليل بادئا بطرح موضوعة الانتاج واعادة الانتاج ليصل بشكل ملموس الى دور وممارسة الانسان وعمله في تغير المجتمع. وهكذا فانه عندما يبحث عن القوانين التي تحكم تغير المجتمع في علاقات الانتاج لغرض توضيح الالية العملية لهذه التغيرات، يثير في بحثه المستويات المحددة التي تمتد جذور كل منها في الاساس الاقتصادي للمجتمع، بشكل تدريجي، ليصل في النهاية ليس فقط الى تحديد دور وارادة ووعي الانسان وممارسته فحسب بل يبين بكل جلاء مكانة الخرافات والدين وتصورات الانسان في تغير اوضاعه. ان التاريخ عند ماركس هو عملية السيروفق تلك القوانين الموضوعية ولكن الناس وحركتهم هي التي تؤدي على اية حال الى احداث التغيرات وتطبيق هذه القوانين عمليا. قلت في الاجتماع السابق كيف ان ماركس يؤكد على حركة هؤلاء الناس، اي موقعهم في علاقات الانتاج او بعبارة اخرى على موقعهم الطبقى بوصفه اساسا لحركتهم هذه ويمثل النضال الطبقي الذي تمتد جذوره الى علاقات الانتاج التي ليست في النهاية سوى ممارسة الانسان الواسعة، دافع تقدم التاريخ الواقعي وعنصر تغير المجتمع وعلاقات الناس من شكل الى اخر. وقد اوضحت ايضا ان الصراع الطبقي، عند ماركس هو ليس الشكل النموذجي لجدال افراد يتحدثون عن الطبقات وبالنيابة عنها بل صراع ومواجهة بين الطبقات ذاتها في المجتمع، جدال موضوعي قائم دوما بين الناس الموجودين في مواقع مختلفة من الانتاج، انه جدال يومي، لا ينقطع وبابعاد مختلفة، يستمر تارة بشكل مبطن واخرى بشكل مكشوف. ان هذا يمثل روح التاريخ عند ماركس. واذا كان ثمة حكمة يسير التاريخ ورائها فهي ان علاقات الانتاج تضع الافراد في موقع يواجه بعضهم البعض وانهم بصراعاتهم يغيرون اساس هذه العلاقات ويفرز التاريخ، في المحصلة الاخيرة، بديلا ويحاول الاجابة في كل مرحلة عن التناقضات القائمة في علاقات الانتاج.

بيد ان هذا المستوى ايضا، لايمثل المستوى الاخير للتحديد في توضيح التاريخ عند ماركس، ذلك ان المسالة تكمن في ان هذه التناقضات التحتية والصراعات الطبقية الناجمة عنها تكشف عن نفسها في مجموعة من الصراعات الفوقية التي تجد عبرها التناقضات التحتية حلولها ومعالجاتها فالتناقض بين علاقات الانتاج الضيقة وتطور القوى المنتجة في المجتمع تكشف عن نفسها من خلال مجموعة من الصراعات بين الناس حول مسائل مختلفة وبابعاد سياسية، قانونية، فنية، ادبية، ايدولوجية... الخ. الا ان هذه الصراعات في البناء الفوقي اي في المستوى الذي يبرز فيه الانسان عنصرا فاعلا، تحدد مصير التناقضات التحتية وتنقل المجتمع من مرحلةالى اخرى. ويتحدد شعور الناس ووعيهم في القسم الاعظم من هذا التاريخ في المسارات التحتية التي يدفعونها من خلال جدالهم الى الامام. تظهر البرجوازية الايرانية، مثلا، في القرن التاسع عشر ومن المفروض ان تتطور الراسمالية في هذا البلد تدريجيا وان يحل النظام الاجتماعي والاقتصادي البرجوازي الجديد محل النظلم القديم، هذه ارادة اجتماعية تمد جذورها في تطور الانتاج والعلاقات الاجتماعية ولكن هذه المسارات لاتحدث، فى الواقع، بهذه الشفافية والوضوح وتحت هذه الراية يل تجري دائما في ظل سلسلة من الصراعات على مستويات فوقية اعلى ويرافق ذلك بروز حركات ذات اهداف خاصة ومحددة، تندلع الثورة المشروطية...[٣] ويكثر الكلام حول تحديث التربية والتعليم وتعليم النساء ودور الصحافة وحريتها وتحديد سلطات الملكية وتتصاعد النزعة القومية وتدفع بمسالة صياغة هوية قومية ايرانية الى الامام، يظهر رضا شاه، تتحول مسالة الصناعة وتحديث الاجهزة الادارية وتمركز سلطة الدولة الى قضية معينة، وتنمو حركة تاميم النفط ويظهر مصدق والمصدقية التي تدفع مطلب الاستقلال السياسي الى الامام وحق البرجوازية القومية الايرانية في الحكم وتطرح مسالة الاصلاح الزراعي وترفع راية النضال ضد التبعية الامبريالية وضد انظمة الحكم القرقوزية تشكل هذه الامور جزءا من اهداف الناس وقضاياهم السياسية والنضالية كما تشكل كل واحدة منها ظاهرة لوجود الجدال السياسي والفكري والاقتصادي المتعدد بين اقسام المجتمع المختلفة، يشترك قسم من الناس في هذه الحركات والتقاليد بدوافع نضالية واحتجاجية وانتقادية واخرى لها غايات سلطوية، ولكن بمشاركتهم هذه انما يوضحون كل عملية تبرجز المجتمع. لو نظرت الى تاريخ ايران، منذ الثورة المشروطية وصولا الى الجمهورية الاسلامية بهذا الشكل لظهرلك مسار مركب ولكنه مقنون. ان ترسخ البرجوازية في احشاء النظام القديم وتحولها فيما بعد الى نقيضها المعادي لها وتحول الراسمالية الى نظام قديم يواجه الاحتجاج هو موجز لهذه التغيرات المتنوعة ولافاق المكاتب والحركات والتقاليد النضالية والشخصيات السياسية المختلفة التي ظهرت طوال هذه الفترة ولعبت ادوارها وسارت بموازاة بعضها البعض. في خضم هذه العملية تاسست احزاب مختلفة ونشبت معارك، سودت صفحات، اثيرت جدالات ولكن كل واحدة من هذه الممارسات دفعت الى الامام زاوية من زوايا التاريخ الموضوعي والمادي الذي يمكن مشاهدة حكمته وقوانينه الاساسية في البناء الاجتماعي التحتي لجدالاته الاساسية. هنا اي في هذا المستوى من البحث وعلى هذا الصعيد تدخل الاحزاب السياسية الميدان. ان الاحزاب السياسية هي اطر لتجمع افراد يشاركون في هذه الجدالات الفوقية. بغض النظر عن ما تقوله هذه الاحزاب عن نفسها بامكاننا الحكم عليها من خلال النظر الى التاريخ الواقعي الذي حتم وجودها ومشاهدتها في العالم المادي وتحديد الحركات التاريخية التي تحاول ان تعكسها وتدفعها الى الامام على الصعيد العملي. يجب ان تقييم وتصنف الاحزاب السياسية في اطار هذه الجدالات السياسية وفي ظلها، يجب ان ننظر الى المعضلة المحددة في التاريخ المادي للمجتمع التي يتولد عنها الحزب ويرمي الاجابة عنها. ان جواب السؤال عن سر وجود هذا الحزب وعن الوشائج التي يرتبط من خلالها بهذا التاريخ الواقعي وفيما اذا كان يلعب دورا فاعلا ام لا وهل يسير صوب التطور او الافول؟ و...الخ، يكمن بالضبط في ممارسة هذا المنهج واستخدامه. ولذلك يجب تقييم العصبة والحزب الشيوعي ضمن هذا السياق ايضا.ان الصراعات الاساسية في المجتمع لا تكون مقتصرة على نفسها، حيث ان هناك في كل مجتمع وعلى الدوام علائم من الماضي والحاضر والمستقبل، الى جانب ما هو موجود هناك براعم للمستقبل وبقايا من الماضي. ان جدال العمل وراس المال يظهروينمو الى جانب الى جانب جدال راس المال بوجه العلاقات السابقة. بالاضافة الى ذلك يمكن مشاهدة اختلافات عديدة بين الاقسام المختلفة حول المسائل الجزئية وحول اشكال التحول الاجتماعي ضمن كل جدال اساسي طبقي. تشكل هذه الجدالات الاساسية وكل ظلالها وانعكاساتها الداخلية مصدرا للسنن السياسية التى تولد الاحزاب السياسية وتتبلور في احشائها ولذلك يجب تحديد السنن والاتجاهات السياسية قبل الوصول الى الاحزاب السياسية وكذلك يجب تحديد ليس المصالح الطبقية التي تعكسها هذه الطبقة فحسب بل التاكيدات والاولويات المحددة التي تمثلها داخل هذه الجبهة الطبقية ايضا. الليبرالية، بوصفها سنة افرزت احزابا متعددة في مجتمعات مختلفة وسنة النزعة القومية التي خلقت وتخلق احزابا متعددة تمثلان ميلين وسنتين سياستين لطبقة واحدة ولكنهما ليستا سنة واحدة حتى انه يمكن مشاهدة مواجهة هذين الميلين لبعضهما مرات عديدة في تاريخ المجتمعات ولذلك فان تنوع الاحزاب السياسية هو امر طبيعي ومحتوم وتقف الطبقات وراء هذه الاحزاب الا ان هذه العلاقة ليست مباشرة. ان تنوع الاحزاب السياسية ينشا من واقع ان الافراد يدخلون الصراعات الاجتماعية من خلال البنى الفوقية والاشكال السياسية والقانونية والفكرية... الخ وتتحول الصراعات الاساسية الطبقية الى مجموعة واسعة من الجدالات السياسية والمحددة في المجتمع، بعبارة اخرى تطرح مواجهة الطبقات الاساسية في المجتمع معضلات اجتماعية متعددة وعلى اساس هذه المعضلات تتشكل ميول وسنن نضالية معينة وفي احشاء هذه الميول تتكون احزاب سياسية متنوعة جدا لتلعب في كل فترة دور منظم وطليعة النشاط السياسي للافراد على اساس هذه السنن بمفردها او بمجموعها ومن جهة اخرى تمثل الاحزاب السياسية ادوات الميول الاجتماعية لتعبئة كل قواها الطبقية تحت راية اهدافها وافاقها الخاصة لتحقيق سيادة كل هذه الاهداف والافاق على صعيد المجتمع. ان الاحزاب السياسية التي تتشكل في احشاء سنة سياسية معينة تكون في مقدمة المجتمعات وطبقاتها الاساسية وهي تحاول تعبئة كل قواها المادية في المجتمع وفي هذا المسار تغطي الطبقات الاجتماعية، بمساندة الاحزاب السياسية، المعاني العملية والسياسية للصراعات الاساسية التي تجري بينها. عبر هذه القناة فقط يمكن للافراد ترجمة التناقضات الناجمة عن مواقعهم الاقتصادية والتباين في مصالحهم الاساسية الى خلافات سياسية حول التغيرات المحددة، السياسية والاقتصادية وغيرها في المجتمع ويصبح بامكانهم القيام بالعمل السياسي كما تحدد الاحزاب السياسية وتعين الصراعات الطبقية وتخلق المجال الضروري لتدخل افراد طبقة معينة من اجل تقرير مصير المسارات التاريخية. تنبعث الاحزاب السياسية من الاستقطابات الطبقية ولكنها تتحول في المراحل اللاحقةالى اطار لعمل الطبقات السياسي. ان تاريخ المجتمعات لا يسير الى الامام بشكل مواجهة صريحة ومكشوفة ولا بشكل نضال مباشر ولا بشكل تنظيمي بين الاحزاب بل ان اساس حركة هذه الصراعات الطبقية الاجتماعية يسير تحت لواء سنن نضالية واحزاب سياسية معينة.

ان السنن النضالية والاحزاب التي تمتلك هذا الدور، اي تلك الاحزاب التي تتمكن من تحويل الضغط العام و من تحويل قاعدة المطالبات والافاق الطبقية الى ضغط سياسي ومادي في المجتمع هي احزاب اجتماعية، احزاب تتدخل في كل مرحلة، ولكن هذا لايعني ان هذه الاحزاب تمثل بالضبط كل المصالح الطبقية وكل اهداف الطبقة. ان الحركة السياسية للطبقة، في كل فترة تتحدد في المطاف الاخير بالافق السياسي وامكانية السنة السياسية والحزبية التي تمارسها قيادتها وتصبح جزءا منها. ان التاريخ الواقعي، اي التاريخ الجاري حتى الفترة الراهنة يتقدم عبر تعبئة كل القوى الطبقية حول افاق محددة.

على اية حال ان ما اريد تاكيده هو وجود هذه المستويات في موضوعنا وتقييمنا لحزب قمنا بتاسيسه: من صلب اية سنة احتجاجية ونضالية في المجتمع انبثقنا؟ ومعضلات اية طبقة من الطبقات دفعتنا للظهور؟ ماهي العلاقة التي قمنا بتاسيسها مع الطبقة في الميدان السياسي؟ واية افاق نضعها امام المجتمع والطبقة؟ واية رابطة عملية تربطنا بالطبقة العاملة في ميدان الممارسة الاحتجاجية؟ ولذلك من الواضح جدا، ان تقيمنا لايمكن ان يكون احادي الجانب او احادي الاجابة: جيد او سيء، عمالي ام لا، اجتماعي او غير اجتماعي، يجب ان يفخر بنفسه ام لا. اننى اريد ان اعطي تصويرا موضوعيا وماركسيا للحزب والعصبة اللذان نتتحدث عنهما اليوم ولست انوي ان اريح او اعكر صفوة خيال احد ولا ان اعطي الدرجات لممارساتنا حتى الان. يجب ان نعرف ما هو تقيمنا لكل من هذه المستويات المتعلقة بالحزب والحركة الطبقية، اذ بدون ذلك لا يمكن ان تقوم قائمة لادراك صحيح ل (ماالعمل) الملقى على عاتقنا ولافقنا ووظائفنا.

ان النقطة التي تميز الشيوعية العمالية، بوصفها سنة احتجاجية وميل حزبي للطبقة العاملة استنادا الى ما ذكرته حتى الان عن سائر الحركات الحزبية في المجتمع "ومنظوري للشيوعية العمالية هوليس تلك البحوث التي قدمتها بعد المؤتمر الثاني، انا استعمل هذه الكلمة بدل مفردة الشيوعية واعني بها ذلك الميل العمالي الذي اصدر البيان الشيوعي واعتبره بمثابة بيانه" هو ان هذا الميل يحمل في طياته الاهداف العمالية وكل الافق العمالي لتغير المجتمع، انه وبخلاف السنن النضالية الاخرىالقائمة في المجتمع وبخلاف كل الاحزاب السياسية للطبقات المختلفة، لايتبع افقا خاصا ومحدودا ومنفصلا عن افق الطبقة العاملة. يعلن ماركس هذا بوضوح في البيان الشيوعي: (ان الشيوعيين لا يؤلفون حزبا خاصا معارضا لاحزاب العمال الاخرى وليست لهم مصالح منفصلة عن مصالح البروليتاريا بمجموعها وهم لايدعون مبادىءخاصة يريدون تكييف الحركة البروليتارية في قالبها. ان الشيوعيين لا يتميزون عن بقية الاحزاب الا في نقطتين :

١. في النضالات التي يقوم بها البروليتاريون من مختلف الامم يضع الشيوعيون في المقدمة ويبرزون المصالح المستقلة والعامة الشاملة لمجموع البروليتاريا.

٢. فىمختلف مراحل التطور التى يمر بها نضال الطبقة العاملة ضد البرجوازية يمثلون دائما وفي كل مكان المصالح العامة للحركة ككل.

فالشيوعيون هم دائما، من الناحية العملية، احزم فريق من من احزاب العمال في جميع البلدان واشدهم عزيمة والفريق الذي يدفع الى الامام كل الفرق الاخرى. وهم من الوجهة النظرية يمتازون عن بقيةالبروليتاريين بادراك واضح لظروف حركة البروليتاريا وسيرها ونتائجها العامة)...[٤]

ولهذا السبب فان الشيوعية العمالية هي جزء من الحركة الطبقية التي تمثل مصالح واهداف هذه الحركة وافق تقدمها وانتصارها النهائي والتام. وان هذا لا يعني بان هذا الجزء وهذا الميل سيطغي افقه بصورة الية على حركة الطبقة العاملة ويقود ممارسات العامل الاحتجاجية. ان الشيوعية العمالية باعتبارها سنة نضالية وسياسية تخضع ايضا لنفس المستلزمات التي اشرت اليها.

يجب عليها ان تعلن روؤاها لكل الطبقة، يجب ان تتمكن من تعبئة كل الطبقة حول اهدافها وامالها التي ليست اهدافا وامالا خاصة بها وان تزج بها الى ميدان العمل السياسي كما ويجب ان تتمكن من انشاء احزاب سياسية مقتدرة بين صفوفها وان تربط نضالها بالممارسة العملية للطبقة على نطاق واسع.

ان الشيوعية العمالية، تاريخيا، ومنذ ايام ماركس وبعده هي تقليد نضالى حي كونت احزابها السياسية في فترات تاريخية معينة في بلدان مختلفة، وقامت بزج الطبقة العاملة نحو الثورة. وتتجسد لائحة اعمال هذا الميل في تدخله الجدي خلال القرن العشرين. رغم مرور فترة طويلة على فشل التجربة العمالية في الاتحاد السوفييتى، لم يتمكن هذا الميل من تكوين احزابه السياسية الجدية، بحثنا اسباب ذلك في مكان اخر، ولكن كان له، بوصفه ميل نضالي، دورا مهما في الحركة العمالية بصورة او باخرى رغم انه تجسد في كثير من بلدان العالم ب"زج الجماهير" نحو الامام في الاحتجاجات العمالية الجارية و لعب دوره في تكوين ذهنية ونظرات وسنن قادة الحركة الاحتجاجية للطبقة.

* * *

قبل الانتهاء من هذا الجزء ارى من الضرورى توضيح الحدود التي تفصلني عن سائر الاتجاهات الاخرى فيما يتعلق بتقييم العصبة. تحدثت كثيرا عن العصبة وان تصورى هو نفس ما قلته، فانا اؤمن بتاريخ واقعي، بنضال موضوعي بين الطبقات ومن زاوية هذا النضال احاول دائما رؤية العصبة والحزب وهذا المنهج هو الذي يخلق الحدود الفاصلة بين تقييمي ومجمل التقييمات الاخرى في الحزب. ان اول اشكال التقييم الذي اريد فصله عن تقييمي هو الذي لايدرك قيمة العصبة ومكانتها التاريخية في نضال العمال، ان الذين يتبنون مثل هذا الموقف او لايتحسسون النضال العمالي ويتبنون صورة مثالية وكتبية لهذا النضال، لا يمكنهم روؤية النضال الراهن وكيف ان التاريخ الواقعي لهذ النضال يرتبط بالعصبة، وقد اجبت شخصيا عدة مرات على النقد الذي يدعي بان العصبة "تنظيم فلاحي" او "اتجاه قومي"... الخ. ان هذا المنظور يبدا من سلسلة من التصورات المجردة حول الشيوعية والنضال العمالي، لانه لايرى العصبة كالبديل الذي يتخيله سواء من الناحية النظرية او العملية و لانه لا يتصور جدال الميول الموجودة في حزبنا فانه ينكر الجوهرالتأريخي للعصبة ومكانتها الواقعية في هذا النضال بصورة عامة.

اما المنظور الاخر فهو على النقيض من ذلك تماما اذ انه يرى العصبة و لا يرى التاريخ "العصبة موجودة اذن انا موجود". هنا يتم تصوير العصبة بوصفها تنظيم نموذجي وتتحول الى مسالة قائمة بذاتها، تستنبط حكمتها من ذاتها حيث ان التنظيم هو نقطة بداية العقل والقيم والمعايير. قلت بانه حتى اذا حاكم تنظيم ما نفسه بهذه الصورة فان من واجبنا كماركسيين ان نحاكمهم بوضوح على اساس الصراعات الاجتماعية التي تقف وراءه وتكونه بالترابط مع المعضلات الاجتماعية التي يحاول الاجابة عليها. ان جذور واصالة التنظيم لا تلغيان سياسته وتاريخه الذاتي الراهن بل على العكس، ان ذلك يبين ان السنة السياسيةالتي اوجدت هذا التنظيم ستقدس و سينظر اليها على انها في عداد البديهيات. ان التنظيم هو اداة لممارسة سياسة طبقية محددة حتى اذا راى في نفسه بداية للتاريخ ك "المجاهدين" و ان له قيمة بذاته. ان قدسية التنظيم تعني فقط دعم السياسة الذاتية السائدة فيه بمعنى قبول وتقديس المكانة الموضوعية للتنظيم في الصراعات الاجتماعية الموضوعية والنظر اليها على انها مسالة بديهية. اذا ما نظرنا الى هذا التقديس لوجود التنظيم بمعزل عن كل معيار ومحك جذري خارجي وطبقي لتوضيح ضرورة التنظيمات نرى بان ذلك ليس الا تقليدا برجوازيا. اذا كان هناك قيمة لاي تنظيم، بالنسبة للشيوعية العمالية، فهو لانه يعمل على ممارسة دور في تاريخ واقعي وجدال اجتماعي واسع النطاق لصالح الطبقة العاملة. واذا لم يكن التنظيم في اي وقت اداة النضال الاجتماعي و تحول الى وسيلة لاي عمل اخر فانه يفقد كل قيمته بالنسبة للعمال والشيوعيين. لذلك حينما ننظر الى العصبة من منظور المصالح الطبقية والشيوعية العمالية ستصبح ذات قيمة لنا ونرى بان من واجبنا ان نطورها باستمرار. فقط من موقع انسان يشارك في الصراعات الموضوعية والاجتماعية والطبقية يمكن اعطاء تصوير واضح و دقيق لقيمة واعتبار ونقاط ضعف حزب سياسي. ان اختلافي مع الرؤى الموجودة في هذا الحزب، فيما يتعلق بتقييم العصبة والافاق التي يمتلكها ينبع من هذا الموقع بالذات.

انا اعتبر الاتجاه الذي يشترط على العصبة ويهز بكتفيه لها، اتجاه للمثقفين، لم يفهم شيئا من الجدالات الاجتماعية الواقعية وليست له ادنى معرفة بالماركسية والنظرية الشيوعية. ان اشخاصا ينكرون قيمة العصبة من مواقع تدعي بانها عمالية "وعندنا ايضا من على هذه الشاكلة" لايدركون الية تطور المسالة العمالية في العالم المادي، اذ لا يمكن تناسي القوى الواقعية التي تطور التاريخ العمالي الجاري وانتظار مرحلة تنبثق فيها منظمة مطابقة لبديل مطروح سلفا.

ان التاريخ الواقعي للطبقة العاملة في كردستان و تلك الصراعات الاساسية التي تضع اليوم العامل الكردي في مواجهة البرجوازية و الراسمالية، تسير اليوم الى امام من خلال العصبة. ان تطوراو انحسار النضال العمالي في كردستان خلال الايام الراهنة يرتبط بتاثيرالعصبة، اذن اقول للمنظور الاخر بان العصبة تكتسب قيمتها استنادا الى هذا الصراع الخارجي. لقد وجد في تاريخ العالم كثير من المنظمات الكبيرة والمناضلة والمقاتلة والسؤال هو ماهي علاقة هذه المنظمة او المنظمات بمعارك العمال الاجتماعية؟ ان هذا السؤال ليس نظريا، بله سؤال العامل العملي. ان تقييم الاحزاب السياسية والمقولات الاجتماعية العامة والمجردة جدا كالابداع الفنى، الاخلاق، حب الانسانية، في ذواتها ودون الرجوع الى النضال الاجتماعي والموضوعي هي عملية غيرممكنة في عالمنا الراهن. باختصار يجب ان يكون مقياسنا لتقييم العصبة هو دورها و علاقاتها المادية مع حركة العامل المعادية للراسمالية في كل مراحل هذه الحركة ولحظاتها لا العوامل الكمية و الكيفية لذات هذا التنظيم و كم السنوات التي يمتد عبرها تاريخه ولا الى تحمله الظروف و الايام الشاقة او درجة التضحية والحماس المتوفر لدى اعضائه و حجمه بالنسبة للمنظمات الاخرى... الخ. بل يمكن تقييم اي تنظيم من زاوية التاريخ الواقعي والاجتماعي للصراع الطبقي بنفس خصائصه الذاتية ومدى اقترابه او ابتعاده عن هذا الصراع الخارجي، ماذا يتوجب عليه تحقيقه في الواقع، في الظروف والاوضاع المختلفة، اذا اراد ان يحتفظ بقيمته السياسية للعامل؟ او مدى تطبيق سياسته التي ينادي بها في كل مرحلة من مراحل عمله والممارسة التي يتبعها ضمن هذا السياق. هذا ما يتوجب على كل تنظيم لتقييم نفسه بهذا المقياس و ما يتوجب على كل تنظيم شيوعي عمله دائما هو الكشف عن رغبته وارادته في تلاحمه المتزايد مع الصراعات الاجتماعية التي تحيط به وبقضية العامل في هذا الصراع.

باختصار، ان الشيوعية العمالية، في حزبنا، هي تلك الرؤية التي تنظر الى ذات الحزب من زاوية حركة اجتماعية. اننا نعتبر ان من البديهي بالنسبة لحزب اطلق على نفسه شيوعي ان يجيب على هذا الصراع الطبقي الذي يحيط به وان يكون منبعثا من هذا الصراع ونعلم ايضا بان حزبنا والعصبة، بوصفها ظاهرة محددة في هذا الحزب لم ينبثقا تاريخيا من هذا الجدال الموضوعي بل يجب دفعهما باتجاه هذه المعركة الطبقية من خلال مسار معين، يجب ان تحصل خلاله تغيرات مادية في الحزب، في فكره وعمله. الى حد تعلق الامر بالشيوعية العمالية وبالحزب الشيوعي الايراني فانها تشكل قوة لتحقيق هذا النقد بصورة اسرع واشمل. هذا جزء من نضالنا لتكوين احزاب تنبثق مباشرة من حمى الصراع الاجتماعي للعامل ضد راس المال، تنبثق فقط من الصراع و تجيب على ارادة العامل فيه.


منصور حكمت


الهوامش:

[١] منظمة كردستان للحزب الشيوعي الايراني.
[٢] اشارة الى الحلقة الدراسية الاولى للشيوعية العمالية التي انعقدت في اذار عام ١٩٨٩ حيث تم بحث المسائل الاساسية العامة للشيوعية العمالية.
[٣] حركة اصلاحات برجوازية قامت في ايران عام ١٩٠٧ استهدفت اقامة نظام ملكي دستورى.
[٤] ماركس- انجلز بيان الحزب الشيوعي ص ٥٧. دار التقدم. موسكو (هامش المترجم).

ترجم هذا البحث عن (حول نشاط الحزب في كردستان) وهي وثيقة من المناقشات الداخلية للحزب الشيوعي الايراني. صدرلاول مرة على شكل كراس في العراق فى اب ١٩٩٢.


ترجمة: جلال محمد
hekmat.public-archive.net #1180ar.html