Status             Fa   Ar   Tu   Ku   En   De   Sv   It   Fr   Sp  
   أسطورة البرجوازية الوطنية والتقدمية (١)        اسطورة البرجوازية القومية والتقدمية - العرض الشامل- اجزاء ١ الى ٥

أسطورة البرجوازية الوطنية والتقدمية
(٢)

كلمة إلى القراء

تسعة اشهر، هي المدة التي تفصل هذا الجزء من الأسطورة عن جزئها الأول ولذلك يجب أن يكون تقصيرنا و قبولنا للانتقادات الموجهة إلينا خلال هذه المدة هي نقطة شروعنا به. ربما يكون عدم انتظامنا والمشاكل الناجمة عن البرمجة والتقسيم الداخلي لمهامنا من بين أهم العوامل التي أثرت علينا وأدت إلى تأخرنا، رغم كوني لست متأكدا من إزالة تلك العوائق حتى ألان. إلا إن ما يجب التنويه به هو إن بعض المسائل التي وعدنا بطرحها و بحثها في الجزء الأول قد تم بحثها فعلا خلال المدة المذكورة. فتحليل مستلزمات تطور الرأسمالية في إيران الذي يتمحور حول نزع الملكية في عقد الستينات والذي كان مدرجا في الجزء الرابع من الأسطورة ضمن برنامجنا السابق قد تم طرحه في خطوطه العامة في كتاب "الشيوعيون والحركة الفلاحية بعد الحل الإمبريالي للمسالة الزراعية في أسفند ماه ٨٥"، (مارس، آذار ١٩٧٩ - المترجم) وكذلك تم بحث مسائل معينة حول ظروف الإنتاج وإعادة إنتاج كل الرأسمال الاجتماعي في إيران ضمن ملحق كتاب "إبعاد حالة البؤس والتصاعد المتجدد للثورة، اسفند ٥٨" (مارس، آذار ١٩٧٩- المترجم) والذي كان من المقرر أن يصدر بشكل تفصيلي ضمن الجزء الخامس من الأسطورة. علي أية حال فان ما أشرت إليه لا يمثل بأي حال من الأحوال مبررا لعدم صدور هذه السلسلة بشكل منتظم، ولذلك فإننا ومن اجل الالتزام بالوعد الذي قطعناه علي أنفسنا ومن اجل إفساح مجال أوسع لنقدنا من قبل رفاقنا، سنطرح الأجزاء المكونة لهذه السلسلة والتي سنعمل على نشرها، ملحقا لهذا الجزء.

ولكن إذا كنا نحن قد تخلينا عن أجزاء "الأسطورة..." فان وقائع الصراع الطبقي لم تتخلى عن أسطورة البرجوازية الوطنية. فقبل عام لو تجرأ أحد ما ووجه بشكل ما، بسبب إخلاصه للطبقة العاملة، "إهانة ما" "للبرجوازية الوطنية" وإذا تصور إن كلمة الوطنية(التي لا تعني سوى معاداة الإمبريالية في بلد تابع للإمبريالية) غير دقيقة ولا تناسب هذه الطبقة بسبب معاداتها للثورة وتوقع خيانتها وحذر العمال منها.. ..، لارتفع بوجهه زعيق المدافعين عن هذه الشمطاء وعشاقها بسيل من الاتهامات "السياسية" ك" شبه تروتسكي" و "متطرف".. .وغيره. من يدري! قد يكونون على صواب، قد يكون أسلوب الإنتاج في تلك الأيام الغابرة مختلف عما هو عليه ألان وقد تكون مرحلة الثورة والاستقطابات الداخلية للهيئة الحاكمة كذلك بل من الممكن أن تكون حتى ماركسية تلك الأيام مختلفة عنها اليوم.

ولكن الأوضاع هي، بأية حال، مختلفة في هذه الأيام. فان انهار الدماء الزكية للعمال والكادحين والمناضلين الشيوعيين التي سالت في كل أنحاء إيران خلال العام المنصرم في كردستان، بلوجستان والصحراء التركمانية، خوزستان، اصفهان، طهران و….. بفضل "العطف الأبوي" لسادة "البرجوازية الوطنية الإيرانية"، هزت الأوهام المنشفية لبعض الشيوعيين الإيرانيين و كشفت "البرجوازية الوطنية الإيرانية" عن وجهها الكالح والمتعفن بشكل صريح. فالأدلة والوثائق "المكشوفة" تشير إلى أن نفس هؤلاء السادة الذين أطلقوا النار على السفارة الإيرانية، يهيئون قواهم لقصف كادحي كردستان وان أسطورة البرجوازية الوطنية والتقدمية، قد تم دفنها، بحكم الظروف الموضوعية للنضال الطبقي، حتى مرحلة أخرى.

صحيح! ان الوقائع والأحداث، عرفت العقول الجافة والصلبة، على الحقيقة، اكثرمما فعلته كل محاولات الاستدلال والإقناع.

ولكن الطريقة التي يتبعها قطاع واسع من الحركة الشيوعية في استحصال هذه المعرفة وفي تغير موقفه منها "أي من البرجوازية الوطنية" هي طريقة غريبة حقا. فقد شاهدنا كيف ان الحركة الشيوعية توقفت نهائيا عن استعمال مصطلح "البرجوازية الوطنية"، حيث بداوا بحصر كلمة "الوطنية" كصفة تكميلية وهامشية جنبا إلى جنب صفة "الليبرالية" و"الخاصة"و "المتوسطة" لينتهوا خلال المدة الفاصلة بين صدور كراسين، بلاغين أو عددين متتالين من مجلة ما بدفن الأقواس دون ان ينبسوا ببنت شفة. حتى اصبح الحال في أيامنا الراهنة بأنك تجهد نفسك عبثا إذا حاولت العثور على مصطلح "البرجوازية الوطنية" في منشورات "رزمندكان"، بيكار"، "نبرد" بل حتى في أدبيات "زحمت"…[٧]

هل تحقق هذه الخطوة، التي تعتبر إيجابية بأية حال، أي إنجاز نظري للطبقة العاملة؟ هل أعلنت أية قوة من التي غيرت موقفها من "البرجوازية الوطنية" و بصراحة أمام الحركة الشيوعية لماذا كانوا يفكرون في الماضي بتلك الطريقة؟ و ما هي مكامن أخطائهم؟ و ما هي طروحاتهم الجديدة عن علاقات الإنتاج و العلاقات الطبقية في المجتمع او ما هي الطروحات الماركسية التي يعتبرونها أساسا لموقفهم الراهن؟ كيف يمكن للحركة العمالية و الشيوعية في إيران و بقية البلدان التابعة ان تتجنب مثل تلك الأخطاء؟ أليست القوى التي طرحت مسالة "البرجوازية الوطنية" جانبا ترى بأنه يجب أجراء تغيرات أخرى في أجزاء أخرى من منظومتها الفكرية؟

الجواب دون شك هو بالنفي. لان كل براعة المنًظر المتعصب الجيد تتمثل، كما يبدو، بتمكنه من تغير موقفه دون ان يلحظه أحد و ان يعمل ما بوسعه لتصوير موقف مجموعته، منظمته الراهن وكأنه امتداد لموقفها الدقيق السابق. يتميز هذا الأسلوب، من جهة، بكونه يحافظ على طراوة منظمته ويعمل على استمرار فعاليتها ويمنع دب الخمول و الضجر في أوساط كوادرها الناشطين في الميادين المتعددة ولن تصيبهم، بعون الله، أية أزمة وانتقائية فكرية ولن ترنوا أبصارهم وانتباههم نحو المنظمات الأخرى و….ميزات متعددة أخرى ؛ ويتميز من جهة أخرى بميزة إضافية هي توفير فرصة دائمة للمنًظر للتراجع والعودة إلى مواقفه السابقة دون أية معضلات وعوائق ودون ان يفقد خلال، هذا الذهاب والإياب، وهذه المراوحة "دقته" وهيبته وفي سياق ذلك فانهم ليسوا معنيين بحرمان الطبقة العاملة من أية إنجازات نظرية وبكونها تقع دائما فريسة اللهاث خلف الأحداث وبانها ترجع في كل مرة إلى نقطة البداية وبتراكم الهزائم المتلاحقة على كاهلها.

التعصب"سيكتاريزم" تعني تفضيل مصالح مجموعة ما على مصالح كل الحركة العمالية والتعصب النظري هو في الواقع أنقى أشكاله و أكثرها تكاملا. ليس بإمكان الحركة الشيوعية الإيرانية التي تطلب وتحتاج بشكل ملح "نقد الأخطاء" ان ترضخ لهؤلاء الطليعيين، ليس على البروليتاريا الإيرانية ان تضحي إلى الأبد، ان تستخلص العبر من الدماء والدموع وتهديها إلى الحركة الشيوعية وتحصل مقابل ذلك على "الحرمة النظرية". ليس على النظرية ان تتبع الممارسة دائما ذلك انه دون النظرية الثورية ستصاب الممارسة الثورية، حتما، بالتراجع والهزيمة.

ولكن يحتل الجانب الأخر من المسالة، أي الإبقاء على بعض الثغرات من اجل إحياء الرؤى التحريفية التي تم تناسيها أو السكوت عنها وبقدر تعلق الأمر بمقولة "البرجوازية الوطنية" أهمية فائقة. فإذا كان غرضنا من كتابة هذه الكراريس يقتصر على إقصاء تلك الكلمة من أدبيات الحركة الشيوعية لكان علينا التوقف عن العمل فورا والاسترخاء والإعلان عن تحقيق ما كنا نصبو أليه. ولكن تكمن النقطة الرئيسية هنا، كما ذكرنا في الجزء الأول، تمثل مقولة "البرجوازية الوطنية" محلا لتلاقي انحرافات اكثر أساسية وجذرية، تبرز بأشكال وصيغ متعددة تشكل "البرجوازية الوطنية" إحدى أشكالها فقط و ربما كانت من أكثرها انتشارا خلال العام المنصرم. ولذلك إذا لم يستند تغير الموقف من مقولة "البرجوازية الوطنية" إلى النقد الماركسي لكل المنظومة الفكرية التي تشكل هذه المقولة جزءا منها وإذا لم يكن التخلي عن هذه المقولة وإقصائها انعكاسا لتثبيت وترسيخ الأحكام الأساسية والمبداية للماركسية اللينينية المتعلقة بالإمبريالية،الرأسمالية وخصائص الثورة الديمقراطية في البلدان الرأسمالية التابعة فإنها لن تكون ذات قيمة نظرية سياسية راسخة. ان الانحرافات التي كانت حتى ألامس تبرز بصيغة "البرجوازية الوطنية" موجودة في ثورتنا وتلعب دورا "تقدميا" تظهر اليوم من خلال تجزئتها وتصنيفها للهيئة الحاكمة ومن خلال الكيفية التي تتخذ بها موقفها من دولة البرجوازية المخادعة وستبرز غدا بشكل منشفي واصلاحي بوجه البرنامج الشيوعي في الثورة الراهنة وخاصة في صيغة مطالب البروليتاريا في هذه الثورة. ان الامتداد الطبيعي للانحرافات الاساسية التي كان الاعتقاد ب"البرجوازية الوطنية" شكلها الاول لم يبق امامها منفذ سوى ولوج طريق التطور اللاراسمالي ونظرية العوالم الثلاثة. وهذا تحذير لتلك القوى التي تعمل على تعيين الحدود الفاصلة بينها وبين هذه النظرات من جهة والتي لم تتخل حتى الان، على صعيد ارضية البناء الاقتصادي للمجتمع وجوهر و محتوى الثورة الراهنة، عن التقليد والتفكير الميكانيكي.

ولذلك ورغم ان ضغط التجربة فرض تراجعا على الذين كانوا يؤمنون باسطورة البرجوازية الوطنية والتقدمية، الا ان الحركة العمالية والشيوعية لا تزالان لم تستخلصا ولم ترسخا الصيغ النظرية لهزيمة هذه التصورات والنظرات ويجب ان يستمر نضالهما ضد تلك الانحرافات ولكن الواضح هو انه لمجرد كون اسطورة البرجوازية الوطنية قد تراجعت لحد ما، على الاقل في هذه المرحلة، فان النضال المذكور يجب ان يستمر بشكل اخر وان يعمل على دحض واقصاء مجموعة من الاشكال الاخرى لهذه الانحرافات الاساسية. ان ما يجب ان يتركز نضالنا حوله هو، براينا، تحديد محتوى انتصار الثورة الديمقراطية الايرانية، من زاوية المصالح المستقلة للبروليتاريا، المحتوى الذي تم تجسيده منذ ألان في برنامج الشيوعيين بوصفه مطلبا للبروليتاريا. من هنا فان الحدود الفاصلة بين البلشفية والمنشفية تتحدد في حركتنا الشيوعية بإثبات أو عدم إثبات أهمية وحاجة وكذلك الرغبة بقيام"رأسمالية وطنية ومستقلة في إيران" بوصفها محتوى انتصار الثورة. فلقد فقدت يوتوبيا الراسمالية الوطنية والمستقلة في ايامنا الراهنة اداتها التنفيذية الوحيدة، أي "البرجوازية الوطنية" وان المنشفية تنوى تحويل ذات البروليتاريا الى وسيلة لتحقيق "الراسمالية الوطنية والمستقلة" وان تضع على كاهل البروليتاريا ازالة كل العوائق والموانع التي تقف في سبيل "الرأسمالية الوطنية". في مقابل ذلك يجب على الشيوعيين ان يعلنوا ويرسخوا، من خلال هزيمة يوتوبيا الرأسمالية الوطنية والمستقلة بكل جوانبها، مطالب البروليتاريا في الثورة الديمقراطية بأوضح صورة.المطالب التي تنبع من كون البروليتاريا بحاجة الى تحقيقها بوصفها مقدمات تمهد لها سبيل حركتها النهائية نحو الاشتراكية.

ولذلك فان عملنا وبقدر تعلق الأمر بهذه السلسلة لم ينتهي فحسب بل انه بدا توا. على هذه الكراسات ان تخدم دحض يوتوبيا الرأسمالية الوطنية والمستقلة. كما قلنا في الكراس السابق فان هذه المقالات تبدا بتحليل مقولات ومبادئ الماركسية المتعلقة بالرأسمالية، الإمبريالية. لسنا نقصد ان نكرر في هذا القسم التعريفات والمفاهيم العامة بل نريد تحديد تلك المقولات والعلاقات التي يؤدي فقدان فهم وادراك ماركسيان حولهما الى نشوء الاساس والبناء التحتي للرؤية التحريفية حول العلاقات الاقتصادية-الطبقية التي تسود في المجتمع. بعبارة اخرى نحن نبدأ من خلال تهيئة الادوات النظرية او الاصح اعادة التذكير بالادوات النظرية التي هيئها قادة البروليتاريا العظام، ماركس وانجلس ولنين وسنعمل في نفس الوقت، خلال كل مرحلة، على تحليل الجذور النظرية للانحرافات المذكورة في نفس المرحلة اخذين بنظر الاعتبار الجانب المعرفي للابحاث التي سنبدا بها.

٭ ٭ ٭


تم اختصار اسماء الكتب التى وردت في هذا الكراس بالشكل التالي:

الاسم المختصر الاسم الكامل
المجلد الأول (الثاني و...)راس المال، المجلد الأول (الثاني و الثالث) من منشورات بروكريس، بالإنكليزية
"النتائج""نتائج استمرار عملية الإنتاج" ملحق المجلد الأول، راس المال منشورات بنكوين بالإنكليزية
"النظريات""نظريات فائض القيمة"ماركس منشورات بروكريس بالإنكليزية
"كروندريس""كروندريس"، ماركس، منشورات بنكوين بالإنكليزية
"نقد الاقتصاد السياسي""مدخل لنقد الاقتصاد السياسي" ماركس، منشورات بروكريس، بالإنكليزية
"تطور الرأسمالية""تطور الرأسمالية في روسيا" لنين، بالفارسية

"اتحاد مبارزان کمونيست" اذار ١٩٨٠




أسطورة البرجوازية الوطنية والتقدمية
(٢)


 

١) المقولات والمفاهيم الأساسية: الرأسمالية (الجزء الأول)

قلنا، في الجزء الأول بان أسطورة البرجوازية الوطنية والتقدمية، ويوتوبيا الرأسمالية المستقلة وبالتالي ذلك (الاتجاه اليميني والمساوم الذي يستند إليهما) يرتكز على انحرافين سائدين في حركتنا الشيوعية: أولا: عدم النظر إلى مقولات راس المال والنظام الرأسمالي وفهمها من منظور ماركسي بل من زاوية نظر برجوازية تماما. ثانيا: استنادا على هذا الأساس يتم استبدال الرؤية اللينينية عن الإمبريالية بوصفها أعلى مراحل الرأسمالية برؤية قومية، تعتبر الإمبريالية سياسة خارجية للقوى العظمى أو تتصورها آلية للنهب والسلب تم تحديدها خارج الحدود.يتضح من ذلك بان علينا، اذا اردنا ان يكون بحثنا شاملا وشافيا، بقدر الامكان، و قبل ان نشرع بتحليل ماهية العلاقات الانتاجية في ايران وتحديد الاساس المادي لحركة الطبقات المختلفة في هذا النظام وقبل ان نبدأ كذلك بتحليل جوهر و محتوى الثورة الراهنة، اقول علينا، توضيح موقفنا وفهمنا من المقولات التي يشكل عدم فهمها الماركسي، اساسا لكل تلك الانحرافات في حركتنا. اذن علينا ايضا ان نبدا من راس المال الراسمالية والامبريالية وان نقوم اولا بتوضيح الخطوط العامة للفهم الماركسي –اللينيني لتلك المقولات. خاصة وان ذلك يمكننا، بتقديري، من كشف العجز و الهشاشة الفكرية لمؤيدي "البرجوازية الوطنية" او الانتقائية الفكرية لاولئك الذين لا يحددون بشكل صارم الحدود التي تفصلهم عن هذه الطروحات البرجوازية، ان بحث المقولات الاساسية يمكننا ايضا من ان نكشف الى حد بعيد، بان المنظومة الفكرية والادوات التحليلية لهؤلاء لا تربطهما ادنى صلة بالماركسية. ولذلك فان اول سؤال وضعنا على عاتقنا التذكير بالاجابة عليه هو: "ما هو راس المال و ما هي الراسمالية؟" من الواضح بان الاجابة الكاملة والشافية لهذا السؤال موجودة في الآثار الكلاسيكية لماركس وانجلز ولنين وهي متوفرة للحركة الشيوعية الايرانية ليس على عاتقنا تكرارها، ان ما يشكل مهمتنا، على الاخص، هو: اولا ان نتسلح بهذه الانجازات و ثانيا: ان نبين كيف ان تلك الرؤى التحريفية تمكنت من الوقوف على اقدامها فقط من خلال تحريف اسس الماركسية –اللينينية وتجاوزها واخفاءها.

١) الانتاج الراسمالي بوصفه توحيدا لعملية الانتاج وعملية زيادة القيمة (انتاج فائض القيمة)

ما هي الرأسمالية وكيف يتم تميزها عن الانظمة الانتاجية الاخرى؟ يعتبر ماركس بان الانتاج الراسمالي هو اندماج عملية الانتاج وعملية رفع "زيادة"القيمة (انتاج فائض القيمة). للتعّرف على جوهر النظام الراسمالي يجب ان نتمعّن قليلا بما قاله ماركس وان نفكر فيه كثيرا:

يشكل الانتاج الاجتماعي الشرط المسبق لوجود كل مجتمع وبنائه التحتي الاساسي. الجانب المشترك لكل اشكال الانتاج الاجتماعي، طوال تاريخ الانسان، هو عملية العمل الطبيعي "الفيزيائي"العملية التي يؤثر الانسان، من خلالها، عن طريق وسائله، على الطبيعة، يغير شكلها ويستخرج ما يحتاجه منها. "العمل هو قبل أي شيء عملية بين الانسان والطبيعة عملية يتدخل الانسان من خلالها بنشاطه على ألميتابولزم – العلاقة الحيوية بين الطبيعة والانسان – المترجم" الذي بينه وبين الطبيعة، يحسنها ويخضعها لرقابته وسلطته. الجزء الاول ص١٧٣". ان كون عملية العمل جانبا مشتركا لكل اشكال الانتاج الاجتماعي هو الذي يؤدي بالضبط االى اختلافها في الاشكال المحددة لعلاقات الانتاج في كل المراحل المحددة لعملية التاريخ الانساني. بعبارة اخرى ان عملية العمل، هي عملية مشتركة في خضم كل الانظمة الاجتماعية. "تشترك احدث المراحل الاجتماعية واقدمها، بمقولات محددة لايمكن الانتاج بدونها. كروندريس ص٨٥". ان العناصر الاساسية لعملية العمل وبغض النظر عن العلاقات الانتاجية ودرجة تطور القوى المنتجة في كل مجتمع والتي تشكل اساس الانتاج الاجتماعي هي: ١- العمل ٢- الاشياء او المواد التي يتم اجراء العمل عليها "موضوع العمل" ٣- وسائل العمل. اذن يؤدي نشاط الانسان اثناء العمل، بواسطة وسائل العمل الى احداث تغيرات على موضوع العمل أي نفس ماكان مستهدفا منذ البداية. تصل عملية العمل الى تحقيق هدفها. ينتج العمل اثناء صيرورته "عمليته"القيمة الاستهلاكية: أي انه يتم اجراء بعض التغيرات على شكل المادة الخام لجعلها صالحة لسد حاجات الانسان. المجلد الاول ص١٧٧". اذا نظرنا الى عملية العمل، من زاوية نتائجها النهائية يتضح بان كل من وسائل العمل و موضوع العمل اجزاء من وسائل الانتاج وبان العمل نفسه هو عمل منتج (نفس المصدر ص ١٧٦).

باختصار فان عملية العمل وانتاج القيمة الاستهلاكية بواسطتها هو الشرط المسبق لوجود الانسان ولكل نظام اجتماعي. قد تتميز هذه العملية، على صعيد ميادين التطور والاشكال العملية، خلال المراحل المتعددة لتكامل المجتمعات التاريخي، بجوانب متعددة ومختلفة ولكن وجود عاملين رئيسين اي العمل ووسائل العمل خلف تلك الاشكال المختلفة هو الشرط الضروري وغير القابل للانكار. تشكل عملية العمل وصراع قواها الداخلية (اي العمل وادوات العمل) الاساس الطبيعي والمادي لكل نظام انتاجي ويطلق ماركس عليها: "الشروط العامة لكل الاشكال الانتاجية" واستنادا الى ذلك الشرط الرئيسي لوجود كل المجتمعات.

ولكن التعرف على هذه "الشروط العامة"اي فهم ضرورة وجود عملية العمل والمكانة المحورية والرئيسية التي تتميز بها في كل الانظمة الاجتماعية وبكونها في نفس الوقت اهم نقطة مبدأية لفهم قانون حركة المجتمعات لا تكفي اطلاقا لفهم تلك القوانين، ذلك ان طرح المسار التكاملي للتاريخ والديناميكية الداخلية لحركته والتاكيد على ان العلاقات الاجتماعية تتخذ ضمن ذلك المسار التكاملي اشكالا متعددة وان لها في كل مرحلة محددة قانون حركتها المستقل هو احد الانجازات الاساسية للمادية التاريخية. تحدد الماركسية بعكس الايديولوجيات البرجوازية التي تعتبرعلاقات الانتاج الراسمالية علاقات ابدية، مسالة كون هذه العلاقات خاصية مرحلة تاريخية محددة وتحللها بوصفها علاقات تظهر في اوضاع محددة، تتحرك وتتجه نحو الزوال. من الواضح ان ليس بمقدور تحليل كهذا ان يقتصر على معرفة "الشروط العامة" فقط. ذلك ان البحث يتعلق بالقوانين المستقلة لحركة المجتمع في مراحل تاريخية محددة وان هذه الشروط العامة للانتاج ليست سوى مقولات مجردة عاجزة عن تحديد اية مرحلة تاريخية واقعية للانتاج "كروندريس ص٨٨ – التاكيد من ماركس". ولذلك "عندما نتحدث عن الانتاج فاننا نقصد دائما الانتاج في مرحلة معينة من التطور الاجتماعي. الانتاج بشكل عام هو تجريد ولكنه طالما تمكن من تحديد الجوانب المشتركة والتاكيد عليها ومنع تكرارها فانه تجريد مناسب ومنطقي. نفس المصدر ص ٨٥". ان ما نريد معرفته هو قوانين حركة الانتاج الراسمالي بوصفه نظاما انتاجيا محددا وبوصفه مرحلة تاريخية خاصة ولذلك فان تحليل الشروط العامة للانتاج "عملية العمل" والتي هي الجانب المشترك للنظام الراسمالي مع الانظمة الاجتماعية الاخرى، لن يفيدنا بشئ بالعكس يجب علينا، تحديدا ان نعمل على معرفة وتحليل تلك العلاقات والروابط الانتاجية التي تميز اسلوب الانتاج الراسمالي عن بقية اساليب الانتاج الاجتماعية الاخرى التي تشترك جميعها في وجود عملية العمل وانتاج القيمة الاستهلاكية. لنرى ما هي المكونات والعلاقات الخاصة بالانتاج الراسمالي؟

علمنا ان تحليل الانتاج (علاقات العمل ووسائله) بحد ذاتها دون اخذ علاقات الانتاج بنظر الاعتبار، يعجز عن الاجابة على سؤالنا مهما دققنا البحث في علاقة العمل بوسائله ولذلك فان محاولة تحليل مقولة (الاستغلال) بذاتها وبشكل معزول تؤدي بنا الى الانحراف. كما ان عملية العمل هي الشرط المسبق لكل نظام انتاجي، يعتبر وجود فائض الانتاج، وجود كميات تفيض عن الحاجة وعن تعويض ادوات الانتاج، شرطا ضروريا لوجود المجتمعات الطبقية. ان تطور القوى المنتجة في رحم المجتمعات المشاعية البدائية وانتاجها لما يفيض عن الحاجة هو شرط ضروري لظهور الطبقات الاجتماعية ذلك انه دون فائض الانتاج هذا لايمكن لطبقة اجتماعية ان تسيطر على نتاج عمل طبقة اخرى (الاستغلال) ولذلك يعتبر وجود فائض المنتوج احد العوامل الرئيسية التي تميز المجتمعات الطبقية عن المجتمعات المشاعية البدائية هنا ايضا وبالذات بسبب كون ذلك هو الجانب المشترك لكل المجتمعات الطبقية فانه‌اي" وجود فائض المنتوج - المترجم" يعجز عن تبيان ماهية علاقات الطبقات الاقتصادية والسياسية في المراحل المحددة والمختلفة لتطور المجتمعات التاريخي او ان يميز القوانين الاقتصادية المستقلة لحركتها في كل مرحلة عن المراحل الاخرى.الاستغلال بشكل عام (الاستيلاء على فائض الانتاج العائد للمنتجين من قبل الطبقة السائدة) لايميز الانظمة الطبقية المختلفة عن بعضها. ان الخان المتنفذ الذي يفرض الاتاوات ورجل الدين الذي يفرض الزكاة والفطرة والاقطاعي الذي يستلم النصف والعشرين، برفع العين وضم الشين، والراسمالي الذي يسلب الربح والمرابي الذي يعتاش على الربا، ان كل من هؤلاء يستولي على جزء من ناتج العمل الاجتماعي دون ان يكون لهم اي دور في عملية انتاجه، وعلى نفس المنوال فان العبد الذي يرهق نفسه من اجل سيده و اؤلئك الفلاحين الذين يعملون بالسخرة والعمال الذين يبيعون بشكل حر في السوق قوة عملهم للراسمالي، ان كل هؤلاء رغم كونهم منتجي ثروات المجتمع لاينالون سوى الجزء الادنى من تلك الثروة التي تعتبر في كل مرحلة حصتهم المعترف بها سواء بشكل رسمي او باي شكل اخر. و لذلك فان اختلاف وتمايز المجتمعات الطبقية لايكمن في وجود او عدم وجود الاستغلال والطفيلية بل في تلك العلاقات والقوانين الاقتصادية الخاصة التي تبلورالاستغلال والطفيلية في كل مرحلة ضمن اطار محدد ومستقل. يبين ماركس العامل الرئيسي لاختلاف المجتمعات الطبقية المتعددة فيما بينها باختصار كما يلي: "ان ما يميز التشكيلات الاقتصادية المختلفة للمجتمعات عن بعضها هو الشكل الذي يتم به سلب فائض العمل المذكور عن منتجه الحقيقي، (العامل بالمعنى العام)، المجلد الاول ص٢٠٩" ولذلك فان ما يجعل الراسمالية راسمالية ليس كون هذا النظام نظاما انتاجيا يتمكن فيه الانسان، بمساعدة وسائل الانتاج، من انتاج القيمة الاستهلاكية لان تلك هي سمة كل المجتمعات الانسانية وكذلك لا يمكن تمييز المجتمع الراسمالي بما يجري فيه من نهب لفائض عمل المنتجين العمال، بالمعنى العام و بتدفق فائض الانتاج لجيوب اصحاب وسائل الانتاج، ان كل الانظمة الاجتماعية الطبقية تشترك في هذه الميزة ايضا. ان ما يضفي على الراسمالية جوهرا متميزا وقانونا مستقلا هو شكل خاص بها، يسيطر بموجبه اصحاب ادوات الانتاج على فائض الانتاج الذي يتم انتاجه وان هذا الشكل والاسلوب ليس سوى انتاج فائض القيمة. النظام الراسمالي هو نظام تسود فيه "علاقة راس المال"‌اي عملية "انتاج فائض القيمة على الانتاج الاجتماعي وتتحدد عملية العمل الاجتماعية ضمن اطار تطور راس المال (انتاج فائض القيمة). قبل التطرق الى ظروف انتصار راس المال على الانتاج الاجتماعي يجب ان نتمعن قليلا في "علاقة راس المال" اي عملية انتاج فائض القيمة.

ان تحول فائض الانتاج الى فائض القيمة يستلزم قبل اي شئ امتلاك نتائج "عملية الانتاج" للقيمة اضافة الى امتلاكها للقيمة الاستهلاكية، اي ان تكون قد تحولت الى سلعة. استنادا على هذه الرؤية التحليلية وعلى التطور والتكامل التاريخي للمقولات والظواهر والعلاقات الاقتصادية ايضا يمكننا ان نقول بان وجود السلعة يسبق راس المال...[٨]. الانتاج الراسمالي هو الشكل النامي والمتطورللانتاج البضاعي. للانتاج البضاعي، الذي يملك فيه المنتجون المستقلون وسائل عملهم او يقوم "التجار" بمبادلة بضائعهم الخاصة او (مبادلة فائض انتاج غيرهم من المنتجين) في السوق، جذور تاريخية. هذا الاسلوب الانتاجي يتطور، جنبا الى جنب الانظمة الانتاجية الاخرى ويخلق بشكل تدريجي نواة المؤسسات والعلاقات الاقتصادية: النقد، السوق، انفصال المانيفاكتورة عن الزراعة.. لتتحول لاحقا، في النظام الراسمالي الى محاور رئيسية للعلاقات السائدة. يتميز ناتج عملية العمل، منذ بداية الانتاج البضاعي بتملكه للقيمة اضافة الى القيمة الاستهلاكية. البضاعة هي محل تلاقي القيمة الاستهلاكية والقيمة، والانتاج البضاعي هو "محل تلاقي عملية العمل وعملية انتاج القيمة"الا ان هناك دربا طويلا بين الانتاج البضاعي والانتاج الراسمالي سواء على الصعيد التحليلي او على صعيد التكامل التاريخي. يشير ماركس باختصار الى هذا الاختلاف على الصعيد التحليلي كما يلي: اذا نظرنا الى عملية الانتاج بوصفها وحدة عملية العمل وعملية انتاج القيمة فانها نفس عملية انتاج البضاعة الا انه اذا نظرنا اليها بوصفها وحدة عملية العمل وعملية زيادة القيمة "انتاج فائض القيمة" فانها الانتاج الراسمالي او بمعنى اخر الشكل الراسمالي لانتاج البضاعة- المجلد الاول ص ١٩١". ان الحديث هو، في الانتاج البضاعي: عن انتاج القيمة الا انه عن انتاج فائض القيمة خلال الانتاج الراسمالي، فما هو اهمية هذا الفرق؟

١) اليست عملية انتاج فائض القيمة توسعا محددا لنفس عملية انتاج القيمة؟
٢) وبناءا عليه اليس الاختلاف بين الانتاج البضاعي والانتاج الراسمالي سوى اختلافا كميا؟

فيما يتعلق بالسؤال الاول يجب ان نقول بان ذلك صحيح دون شك في النظام الراسمالي...[٩] فعملية انتاج فائض القيمة هي نفس عملية انتاج القيمة التي تم توسيعها الى حدود معينة ولكننا عندما نقارن انتاج القيمة في النظام البضاعي بانتاج فائض القيمة – خاصية النظام الراسمالي- يتبن لنا بانه من اجل تحقيق ذلك، اي انتاج فائض القيمة، يجب توفر ظروف موضوعية غير متوفرة اساسا في نظام الانتاج البضاعي. ان المحور الرئيسي للظروف الموضوعية المذكورة هو تحول قوة العمل الى بضاعة. لكي يبرز فائض الانتاج كفائض القيمة لا يكفي ان يكون نتاج العمل قيمة اضافة الىكونه قيمة استهلاكية بل يجب ان تتحول الشروط العامةللانتاج، اي العمل ووسائل الانتاج ايضا، الى سلعة وتتحول عملية العمل الى عملية مواجهة وعملية تاثر و تاثير بين سلعتين وتكتسب الوسائل الاولية لعملية العمل من خلال ذلك القيمة. ان لوسائل العمل، في الانتاج البضاعي ايضا، قابلية ملحوظة للتحول الى بضاعة ولكن تحول العمل او بشكل ادق "قوة العمل" الى بضاعة واعادة انتاج هذه القوة بوصفها بضاعة هي بالضبط نفس العملية التي تتطلبها عملية انتاج فائض القيمة التي هي جوهر النظام الراسمالي. من هنا ندرك اهمية تعريف الراسمالية بوصفها: الانتاج البضاعي الواسع، لان الانتاج البضاعي لن يتحول الى انتاج راسمالي الا اذا تحولت قوة العمل الى بضاعة و بذلك يتضح جواب السؤال الثاني ايضا فالاختلاف بين الانتاج البضاعي والانتاج الراسمالي، على الصعيد التحليلي والتفسيري ليس اختلافا كميا على الاطلاق اذا ان الراسمالة ليست فقط نظاما لتوسيع الانتاج البضاعي او لانتاج كمية اكبر من البضائع، ان الحديث هو عن تحول اهم ظاهرة اقتصادية، اي قوة العمل، الى سلعة وعن نظرية فائض القيمة. وكما اشرنا فان هناك، على الصعيد التاريخي، ايضا فاصلا كبيرا بينهما وان سبب ذلك واضح تماما، ذلك ان تغير الانتاج البضاعي الى الانتاج الراسمالي مرهون بتلك التحولات الاجتماعية التي تخلق الارضية المناسبة لتحول قوة العمل وتحولها فعلا الى بضاعة. ان تاريخ ظهور راس المال هو تاريخ ظهور العمل الماجور في خضم العلاقات الاقطاعية الباعثة على الذل، تاريخ نزع ملكية المنتجين المباشرة وانفصال الفلاحين عن الارض، انه نفس التاريخ الذي يصفه ماركس بانه "مدون في تاريخ البشرية باحرف من الحديد والدم"   (المجلد الاول ص٦٦٩)

تشكل المواجهة بين العمل الماجور وراس المال وانتاج فائض القيمة على اساس ذلك جوهر علاقة راس المال. مع تحول قوة العمل الى سلعة على نطاق واسع في المجتمع تسود علاقة راس المال على الانتاج الاجتماعي وعندما يسود راس المال على الانتاج الاجتماعي تتخذ القوانين الاقتصادية لحركة المجتمع طابعا راسماليا تاما. بعد ان كانت مقولات وعلاقات: عملية الانتاج: البضاعة، النقد، السوق... الخ تشكل على الصعيد التحليلي والتاريخي شروطا مسبقة وارضية لبروز راس المال والانتاج الراسمالي صارت ترتكز منذ الان فصاعدا على راس المال، تتجسد وتترسخ استنادا الى قوانين حركة راس المال "بل ان المقولات الاقتصادية التي كانت منسجمة ومتناسبة مع الاشكال الاقتصادية السابقة صارت تتخذ في سياق الانتاج الراسمالي خصائص تاريخية جديدة وخاصة" (النتائج ص ٩٥٠). يضع راس المال بصماته على كل عملية العمل وتتجسد علاقة الانسان بوسائل الانتاج في "العلاقة بين المادة التي اشتراها الراسمالي، تلك الاشياء التي تعود الى الراسمالي" وتتحول عملية العمل التي هي الشرط المسبق لوجود وبقاء المجتمع الانساني الى مجرد عامل ضروري للانتاج واعادة انتاج وتراكم راس المال حيث تنظم عملية العمل، هذه المرة، توسعها وتطورها وكيفيتها استنادا الى حاجات حركة راس المال. هنا يتحول حاصل انتاج عملية العمل اي القيمة الاستهلاكية التي تؤمن حاجةاجتماعية بسبب كونها حاملة طبيعية للقيمة ليس للقيمة فقط بل لفائض القيمة ايضا اقول تتحول الى شئ مهم ويتم انتاجها". "دون شك القيمة الاستهلاكية ليست هدف الانتاج البضاعي لان الراسمالي ينتج القيمة الاستهلاكية بالقدر الذي تكون فيه الحاملة المادية لقيمة التبادل. ان لصاحبنا الراسمالي هدفين: انه اولا ينوي انتاج تلك القيمة الاستهلاكية التي تحمل قيمة تبادلية بمعنى انتاج شئ للبيع اي ان تكون سلعة ثانيا انه يبتغي ان ينتج سلعة تكون قيمتها اكبر من قيمة كل المواد الخام التي تمت الاستفادة منها وتم استهلاكها: الوسائل الانتاجية وقوة العمل التي اشتراها بامواله من السوق الحرة. ان هدف الراسمالي هو ليس فقط انتاج القيمة الاستهلاكية بل انتاج السلعة. ليس فقط انتاج القيمة الاستهلاكية بل انتاج القيمة وليس القيمة ايضا بل كذلك فائض القيمة" (المجلد الاول ص ١٨١). وبهذا تتخذ عملية العمل، على صعيد الهدف "تحقيق الربح" و على صعيد الشروط "تحول وسائل الانتاج الى سلعة" و على صعيد قوانين التطور "قوانين تراكم راس المال" خصائص راسمالية تامة.

يضفي الانتاج الراسمالي "حتى على المقولات الاقتصادية التي كانت تناسب النظام السابق محتوى جديدا: تقسيم العمل، السلعة، السوق، النقد وايضا التجارة التي كانت اساس ظهور النظام الراسمالي لم تنجو من هذه الصيرورة الداخلية. البضاعة التي كانت في هامش الانظمة ما قبل الراسمالية وكانت نتيجة وظاهرة لتبادل انتاج المنتجين المستقلين او انها كانت فائض انتاج الانظمة المذكورة، تتحول في نظام الانتاج الراسمالي الى الشكل الرئيسي والاساسي لكل نتائج العمل الاجتماعي. ان خاصية"العصر الراسمالي هي ان قوة العمل التي يمتلكها العامل تتجسد امامه بشكلها السلعي والنتيجة هي ان كل ناتج العمل يتحول الى سلعة" (المجلد الاول ص١٦٧). لكي تتخذ كل نتائج عملية العمل الشكل السلعي، يجب ان يفرض راس المال شكله الخاص لتقسيم العمل على الانتاج. لكي تتحول السلعة الى الشكل الاساسي للانتاج ويتحول الانفصال بالتالي عن الناتج الى الاسلوب الضروري للتملك المرافق له، يجب توفير تقسيم اجتماعي متطور للعمل وفي نفس الوقت ولنفس هذا السبب بالذات، اي استنادا الى الانتاج الراسمالي وما يؤدي الى تقسيم العمل الراسمالي في المصانع يتخذ كل الناتج الشكل السلعي ويتحول كل المنتجين بالضرورة الى منتجي سلع، عليه فان ظهور الراسمالة لوحدها يؤدي الى تحويل القيمة التبادلية الى الوسيلة العالميةوالعامة للقيمة الاستهلاكية" (النتائج ص٩٥١ - التاكيدات من ماركس).

وبذلك فان تحول قوة العمل الى سلعة يؤدي بالضرورة الى تحول الانتاج البضاعي الى انتاج راسمالي وهذا بدوره يؤدي الى ان يستند الانتاج السلعي في كل جوانبه الى اساس متمايز تماما عن الانتاج البضاعي البسيط وان يرتكز على قوانين وخصائص محددة به.

    "تتميز النقاط الثلاثة التالية باهمية بالغة:

    ١) الانتاج الراسمالي هو اول نظام يحول البضاعة الى الشكل العام لكل المنتوجات.

    ٢) حينما يتوقف ذات العامل عن كونه جزءا من الشروط العامة للانتاج، اي باختصار حينماتتحول قوة العمل بشكل عام الى سلعة فان انتاج البضاعة تتحول بالضرورة الى انتاج راسمالي.

    ٣) يقضي الانتاج الراسمالي على اساس الانتاج البضاعي بوصفه نمطا يحتاج الى الانتاج الفردي والمستقل والى التبادل البضاعي بين منتجي البضائع المباشرين اي تبادل المعادلات ويؤدي كذلك الى تعميم التبادل الصوري بين راس المال وقوة العمل" (النتائج ص٩٥١).

باختصار ان تحديد النظام الراسمالي يتم على اساسين: عام وخاص، على الصعيد العام: الراسمالية هي اولا نظام انتاجي يتضمن ككل الانظمة الاجتماعية الاخرى على عملية العمل الاجتماعية وانتاج القيمة الاستهلاكية وهي ثانيا نظام طبقي تماما كالانظمة الطبقية الاخرى يتم فيه انتاج فائض عن حاجة انتاج الشروط العامة للعمل "العمل ووسائل العمل" ويتم مصادرة هذا الفائض من قبل طبقة اخرى لاتنتجه بشكل مباشر.ثالثا ان الراسمالية نظام سلعي، بمعنى ان لناتج عملية العمل اضافة الى القيمة الاستهلاكيةعنصر القيمة و قيمة التبادل ايضا. وعلى هذا الصعيد ايضا ليست الراسمالية نظاما منفردا ذلك ان وجود القيمة والقيمة التبادلية هما ايضا ناتج النظام البضاعي. ان العنصر المتميز والجوهر الخاص للنظام الراسمالي هو انتاج فائض القيمة. التي تظهر على اساس تحول قوة العمل الى سلعة والمواجهة بين العمل الماجور وراس المال. "هنا فان العملية المستمرة للانتاج هي دائما الوحدة غير القابلة للانفصام بين عملية العمل و عملية زيادة لقيمة ، تماما كما تتكون السلعة من وحدة القيمة الاستهلاكية و القيمة التبادلية" (النتائج ص٩٥٢ خطوط التاكيد من ماركس). ولذلك فان الانتاج الراسمالي هو نظام لتحويل قوة العمل الى سلعة وللانتاج المستمر لهذه السلعة، لتحويل عملية العمل الى حلقة من سلسلة اعادة انتاج راس المال وفاض الانتاج على شكل فائض القيمة ولاخضاعها لسيطرة الطبقة المستغلة الرئيسية في المجتمع اي الطبقة الراسمالية.

انتاج فائض القيمة على اساس استغلال العمل الماجور هو اساس وجوهر كل الانظمة الراسمالية سواء في دول المتروبول او في البلدان الخاضعة. رب قائل يقول بان ليس هناك حاجة لهذا البحث المفصل عن هذه الاطروحة الاساسية المعروفة في الماركسية.ولكن اذا اعدنا النظر في التصورات السائدة على مسالة "التبعية" اي نوع الراسمالية في البلدان الخاضعةالتي اشرنا اليها في الجزء الاول من هذا الكراس، يظهر لنا بان تكرار هذا الحكم واعادة التاكيد عليه هو امر ضروري، ذلك ان اول ما يتم تجاهله في تلك النظرات هو هذه الاحكام بالضبط.

اشرنا في الجزء الاول الى ان التعابير السائدة تشير الى التبعية على اساس اشكالها المحددة في ايران اليوم. بعبارة ادق تحدد تلك الرؤى تبعية الراسمالية في ايران من خلال الاشارة الى مشاهدات معينة كالتبعية التكنولوجية، التبعية لوسائل الانتاج الاجنبية، التبعية المالية (التبعية للمصادر المالية الغربية والاجنبية وتبعية السوق، التبعية للاسواق الاجنية). ولذلك يتم تعريف نظام الانتاج كذلك على اساس كون الراسماليين التابعين "يسيطرون على الاقتصاد والسياسة وان اتجاه حركة النظام، وفقا للرؤية المذكورة، هو نحو التبعية المتزايدة ونهب الثروات القومية وعدم توازن تقسيم العمل الاجتماعي، عدم انتاج السلع "الضرورية" و استيراد وانتاج السلع الرديئة والكمالية وفقدان الصناعات الام، الاساسية، بشكل عام او توقف التصنيع، اندثار الزراعة، باختصار فقدان الاكتفاء الذاتي والية الاستقلال. ويتم بناءا على ذلك "اكتشاف البرجوازية الوطنية بكونها الفئة من البرجوازية التي ترتبط باقل ما يمكن بالخارج على الصعيد النقدي والتنكولوجي وعلى صعيد الاسواق واذا لم تمانع الامبريالية المتعجرفة فانها اي البرجوازية الوطنية تحول ايران الى بلد عامر، مستقل، متوازن، مكتفي ذاتيا ومليئ بالسلع والمنتجات المفيدة". وكما نرى فان المسالة التي لا يتم التطرق اليها هي، بالضبط، مسالة تبعية العلاقة التي يتم في سياقها انتاج فائض القيمة(العلاقة الثناية بين العمل الماجور وراس المال) بتاثيرراس المال الاحتكاري.كنا مقتنعين بان انتاج فائض القيمة هو بالضبط جوهر النظام الراسمالي ولكننا نتناساه عندما نقوم بتحليل تبعية النظام الراسمالي الايراني وترانا نتحدث عن هذه التبعية بشكل مختلف عن هذا المحتوى و كاننا تخلينا متعمدين عن كون ايران بلدا راسماليا، نتحدث عن تبعية العمل"التبعية التكنولوجية" وعن الحركة الجغرافية لفائض المنتوج "نهب الثروات القومية"، نتحدث عن تبعية الانتاج السلعي وعن القيمة الاستهلاكية "مسالة انتاج واستيراد السلع الرديئة والفاسدة" ولكننا نسكت عن عملية انتاج فائض القيمة. ولذلك يجب التاكيد علىاننا لو تجاهلنا تحليل النقطة الاخيرة فان ذلك يعني باننا لم نتطرق اصلا الى مسالة تبعية الراسمالية في ايران. ولذلك اذا اردنا التحدث عن تبعية راس المال، يجب ان نحلل هذه التبعية بشكل محدد و واضح على اساس تبعية علاقة راس المال "اي الصراع بين العمل الماجور وراس المال او علاقة الاستغلال وانتاج فائض القيمة" بالامبريالية. بعبارة اخرى يجب تبيان كيفية تبعية انتاج فائض القيمة في ايران للامبريالية وبعد التعرف على محتوى هذه التبعية، بالضبط بعد معرفة ذلك، يجب ان نسال انفسنا كيف يقوم جوهر الراسمالية هذا بتوضيح تكوين الاشكال الاقتصادية المحددة المحيطة بنا" (الاسطورة الكراس الاول - ص٣٦).

قد يواجه موقفنا هذا، منذ البداية، بانتقادين رئيسين: الاول، قد يقال بان جوهر واساس التبعية لا يمكن ان يختلف عن الاشكال المحددة التي تبرز فيها ولذلك فان القيام بتحليل شامل للاشكال المحددة لتبعية الراسمالية الايرانية هو بذاته توضيح لجوهر واساس تبعية الراسمالية. بعبارة اخرى، لما كانت تبعية العلاقة التي يتم فيها انتاج فائض القيمة في سياقها تبرز بالضرورة من خلال اشكال محددة للتبعية مثل التبعية النقدية، التكنولوجية، تبعية السوق والشكل المحدد لتقسيم العمل الاجتماعي في السوق الداخلية فان معرفة تلك الاشكال تؤدي الى التعرف على جوهر العلاقة المذكورة (فهم تجريبي لقانون ديالكتيكي). صحيح ان المحتوى الداخلي لعلاقة انتاجية، مثلا انتاج فائض القيمة، تعبر عن نفسها بالضرورة من خلال مجموعة من الاشكال المحددة وان ليس بامكانها التعبير عن نفسها الا من خلال تلك الاشكال ولكن ذلك لايعني مطلقا ان ليس هناك وسيلة اخرى للتعرف على محتوى علاقة انتاجية محددة وتعريفها، سوى اللجوءالى جمع تلك الاشكال المحددة التي تبرز من خلالها. وتدحض نظرية ماركس هذا الاسلوب بشكل رائع. يتم تحديد السعر عن طريق القيمة وتقوم القيمة بتجسيد شكلها والتعبير عن نفسها بالضرورة في السعر ولكن لايمكن تبيان وجود السلعة وتبادلها عن طريق معرفة وتحليل السعراو معرفة حركة الاسعار بل يجب شرح القيمة استنادا الى مقولة العمل المجرد والضروري اجتماعيا.

ان النتيجة السياسية للتجريبية ليست سوى الذيلية والعجز وفقدان القدرة على التحليل والتنبوء.ذلك ان القانون الداخلي لحركة اية ظاهرة يتجسد في تحولها من شكل محدد الى اخر. ولذلك فان من يحاول معرفة العلاقات الاجتماعية من خلال اشكال تجسمها فانه سيتعرض، لامحالة الى الارتباك عند حدوث كل تغير في العلاقات المذكورة، سيرتاب من تصوراته السابقة وتصيبه حالة من العجز والانتظار عسى ان توضح له الاشكال المحددة الجديدة "حقائق جديدة". مثلا اذا ساوى احد ما بين الراسمالية التابعة وفقدان الصناعات الثقيلة (هذا التصور سائد على الحركة الشيوعية) واذا بدات الامبريالية، استنادا الى مصالحها حملة تصنيع في هذه البلدان فان صاحبنا سيتجه على الصعيد النظري وفي الميدان السياسي نحو التهليل للعملاء الوطنيين لحملة التصنيع هذه وبتعريفهم و تاييدهم بوصفهم قوى "وطنية ومستقلة". او اذا ساوى صاحبنا بين التبعية و "نهب"المصادر المعدنية و "الثروات القومية" باسعار تافهة فانه سيقف حائرا مذهولا امام التصريحات التافهة للشاه العميل حول اسعار النفط وارتفاعها (او لم يتحول الشاه الى معاد للاميريالية!). وعندما يحتار في امر نظرياته وتكتيكاته تتهيا له، دونما ضجيج، المجال لنظرية العوالم الثلاثة او انه يتوجه اليها فعلا. دون معرفة اساس وجوهر واقع ما لايمكن تبيان اشكال بروزه والاهم من ذلك لايمكن معرفة مستلزمات وكيفية تغيره من شكل الى اخر.ان من يحاول تجنب تسرب المياه من سقف منزله يعمل على ازالة الثلوج عنها.ان هذا يثبت صحة التعامل الديالكتيكي تجاه الاشكال المحددة لظاهرة ما.

نستخلص مما سبق بان الملاحظة الانتقادية الاولى التي من المحتمل ان تبرز ضدنا والتي تشكل جزءا حيويا من التركيبة النظرية للمواقف المطروحة تجاه مسالة التبعية هي تصورات تجريبية تمهد من خلال هشاشتها، عجزها وتخلفها السبيل امام كل الاراء والتصورات التحريفية والسياسات المساومة وتعمل بالتالي على خدمتها.

ولكن على صعيد الانتقاد الثاني: قد يبرز من يطرح استخلاصه النهائي منذ البداية ويقول بان التبعية هي علاقة ترتبط من الاساس بشكل علاقة الراسمالية في ايران وليست لها ادنى علاقة بانتاج فائض القيمة والعداء بين العمل الماجور وراس المال في السوق الداخلية الايرانية. بعبارة اوضح التبعية هي ما نراها اليوم وليس سواها: التبعية التكنولوجية والمالية والسوق...الخ و "اننا" نستهدف في هذه "المرحلة طبعا"القضاء على هذه العلاقات وان ذلك ليس بحاجة الى تغير العلاقة بين العمل وراس المال اضافة الى ان تحقيق ذلك لن يؤثر على العلاقة المذكورة.

لو حاولنا التعبير، باختصار عن هذه الصيغة السائدة في ايامنا الراهنة لقلنا: ان النضال ضد التبعية وضد الامبريالية بالتالي هو نضال يرتكز على العداء بين الشعب والامبريالية وليس بين العمل وراس المال.

اذا كنا اشرنا فيما يتعلق بالانتقاد الاول الى ميل نحو التحريفية والمساومة، فان الامر يتحول هنا الى بروز التحريفية السافرة بخصائصها المتميزة. يصور هذا الاتجاه الافاق المستقبلية للثورة الايرانية بالشكل التالي: "انتصار الثورة الراهنة يرتبط بالقضاء على علاقات التبعية واستنادا على تحقيق هذا الانتصار تبدا الراسمالية الوطنية حركتها نحو تطوير قوى الانتاج والبلد بشكل عام، لان الامبريالية تمنع هذا التطور حسب الادعاء المذكور، وتتحول ايران الى بلد عامرو... وبعدها ياتي دور حل معضلة العداء بين العمل وراس المال". لو وضعنا عمامة على راس هذا الموقف، لتوصلنا مباشرة الى الموقف المعروف بان: "الامبريالية (امريكا) هي الشيطان الاكبر "بلباس البرجوازية" وان مهمتنا بالتالي هي تاسيس ملكية البرجوازية "المشروعة و المشروطة" لوسائل الانتاج وخلق الارضية المناسبة للاستغلال المشروع والمشروط "للطبقة العاملة! نقضي على الامبريالية ونبق على الراسمالية!؟. نعم ترتبط الراسمالية الوطنية و المستقلة بالضرورة بالتصور الميكانيكي و البرجوازي لمسالة التبعية، انها ليست يوتوبيا اشتراكية بل يوتوبيا راسمالية، طفولية ورومانسية تابعة للعائلة البرجوازية المتعددة الافخاذ. انها يوتوبيا لان تحقيقيها، في عصر الامبريالية، اي في اعلى مراحل الراسمالية تفتقر الى اي اساس مادي. وراسمالية لانها اضافة الى كونها تافهة اقتصاديا فانها،على الصعيدالنظري والعملي تؤيد الافكار والشعارات والتوجيهات السياسية للبورجوازية الليبرالية ومن لف لفها وتعمل على اعادة تعبئة جماهير الكادحين تحت راية البورجوازية من اجل خدمتها. ليست نظرية العوالم الثلاثة وطريق التطور اللاراسمالي، في الواقع، سوى هذه الراسماية الطوباوية المغلفة بعبارات شبه اشتراكية ولذلك فانها تشكل خلال الثورة الراهنة في ايران اداة مؤثرة في متناول البرجوازية، حيث تلجا هذه الافكار الخيانية الى استغلال التعاطف القوي للطبقة العاملة مع المعسكر الاشتراكي والادعاءات الكاذبة لبعض فئات البرجوازية الايرانية، هذه الادعاءات التي لاتؤمن بها حتى الفئات المذكورة بل انها تستخدمها مجرد وسيلة سياسية-ايديولوجية من اجل جر ثورتنا نحو مستنقع المساومات، انها تلجا الى استغلال تلك المسائل واضفاء طابع اشتراكي عليها وسوقها الى الحركةالعمالية. ان الدفاع عن مقولة "البرجوازية الوطنية والمستقلة" في ظروف اثبتت فيها البرجوازية نفسها بالف طريقة وطريقة، بطلانها وتفاهتها لن تؤدي الا الى جر الحركة العمالية والشيوعية نحو المسالخ والمذابح الجماعية.

من هنا فان العمل على القيام بتحليل عميق للراسمالية التابعة في ايران، يعني العمل على معرفة تبعية عملية انتاج فائض القيمة ومستلزماتها في هذا النظام او حسب التعبير السائد(تحليل العلاقة العدائية بين العمل وراس المال) يشكل، حسب راينا، محور ومحتوى الثورة الراهنة، الحدود الفاصلة بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة، ركيزة السياسات البروليتارية المستقلة ودحض النظرات التحريفية.

لو اتفقنا على انه من اجل تحليل الراسمالية الايرانية وتحليل تبعيتها يجب ان نبدا من العلاقة الثنائية بين العمل وراس المال على صعيد انتاج فائض القيمة، فان سؤالا اساسيا يطرح نفسه، تحدد الاجابة عليه اطار الفقرات المتبقية من هذا الكراس والكراسين التاليين.السؤال الاساسي هو: اذا كان علينا ان نبدا من جوهر علاقة "راس المال" في النظام الانتاجي الايراني لننتقل بعدها الى توضيح الاشكال المحددة التي تتجسد فيها، فما هي المفاهيم، المقولات والعلاقات الاقتصادية التي يجب ان نستعين بها كادوات نظرية؟ لتحديد تلك الاداة النظرية يجب ان نعود الى النقطة التي توقف بحثنا عنده:

قلنا بانه اذا اردنا معرفة الالية والقوانين الخاصة بالنظام الراسمالي يجب تحليل عملية انتاج فائض القيمة، وهذا هو مايقوم به ماركس تماما في كتاب راس المال. يبدا ماركس بالمشاهدة التالية: "البضاعة هي الشكل الاولي والعنصر المكون للثروة في المجتمع البرجوازي. راس المال- المقطع الاول". الازدواج الداخلي للبضاعة (القيمة الاستهلاكية والقيمة التبادلية) تكشف واقع كون البضاعة هي حاصل عملية العمل، من جهة(القيمة الاستهلاكية)وهي من جهة اخرى وفي نفس الوقت نتيجة لعملية انتاج القيمة(القيمة التبادلية). ولكن كما قلنا فان انتاج البضاعة يختلف عن الانتاج الراسمالي ذلك ان هذا الاخير يستلزم ليس انتاج القيمة فحسب بل انتاج فائض القيمة ايضا. لذلك يتجاوز ماركس البضاعة ويطرح هذا السؤال الاساسي:كيف يؤدي الانتاج والتبادل المتساوي للسلع الى توسع القيمة(انتاج فائض القيمة) في النظام الراسمالي؟ من اجل توضيح هذه المسالة، يبدا ماركس من الشكل العام للتغير المحدد لراس المال. فراس المال يتجلى باعم اشكاله خلال مسار حركته كالتالي: "نقد ← سلعة ← نقد" (M → C → M'). يتضح توسع القيمة في هذه الصيغة بكون النقد النهائي او النقد في الحالة الثانية اكبر من النقد الاولى او النقد في الحالة الاولى. بعبارة اخرى تكون الصيغة العامة لراس المال كالتالي:

النقد النهائي اكبر من النقد الاولي
M' > M
النقد النهائي → سلعة → النقد الاولي
M → C → M'

ولكن هذه الصيغة العامة لا تبين لنا كيف يتم انتاج فائض القيمة،اي واقع كون النقد النهائي (M') اكبر من النقد الاولي (M). يلخص ماركس المشكلة بهذه الصورة:

"يجب الكشف عن تحول النقد الى راسمال على اساس القوانين الكامنة لتبادل البضائع، اي يجب ان يشكل تبادل المعادلات نقطة الانطلاق لنا. فصاحبنا مالك النقد، الذي ليس سوى يرقة الراسمالي يجب عليه ان يشتري البضائع بقيمها وان يبيعها بقيمها وان يحصل مع ذلك في نهاية هذه العملية على قيمة اكبر مما وظفه فيها. وان تحوله الى فراشة، الى راسمالي حقيقي، ينبغي ان يحدث في مجال التداول وخارج مجال التداول في الوقت ذاته، تلك هي شروط القضية. راس المال، المجلد الاول - ص١٦٣".

(نقلا عن النسخة العربية من راس المال- ترجمة دار التقدم ص٢٤١-٢٤٢ المترجم).


لو دققنا في الصيغة السابقة لتبين لنا ذلك التناقض بوضوح. فالصيغة (M-C-M') تتكون من حلقتين: (شراء: M-C)، و (بيع: C-M') . وان راس المال الذي يجب تحديده على اساس تبادل البضائع قد ظهر في كلا حلقتي التبادل[١٠]. و لذلك فان منشا فائض القيمة ليس معلوما في المعادلة. ان التحليل المنطقي يسير بنا نحوميدان الانتاج. (راجع المجلد الاول، القسم الثاني، الفصل ٦). و لكن الصيغة السابقة لن تزودنا بفكرة ما عن عملية الانتاج. يجب ان تتحقق معادلة الانتاج خلال حلقتا الانتاج الا ان الصيغة السابقة تلخص كل تلك العملية في المقطع C. اذا اردنا عرض عملية الانتاج (عملية العمل) في الصيغة السابقة بشكل ادق فانها تكون على الصيغة التالية:[١١]

(١)

بعبارة اخرى تنقسم البضائع التي يشتريهاالراسمالي الى قسمين: وسائل الانتاج وقوة العمل. يتم دمج كل من قوة العمل و وسائل الانتاج و يكون الناتج بضاعة ثالثة (C') ويتم بيعها في السوق ليحصل على النقد النهائ (M') اذا نظرنا الى هذه الصيغة التفصيلية من زاوية تبادل المتعادلات في الحلقات المختلفة ندرك بانها لاتختلف عن الحلقة السابقة. ففي الصيغة (M-C) يقوم الراسمالي بشراء بعض البضائع باقيامها. وردت عملية التبادل هنا في هذه الصيغة بشكل ادق: في الواقع يقوم الراسمالي في حلقة الشراء بانجاز عمليتي بيع. فهو يشتري وسائل الانتاج (M-MP) و قوة العمل (M-L). في عملية التبادل الاولى، من المفروض ان يتم دفع اقيام متساوية لوسائل الانتاج الى اصحابها و كذلك لو افترضنا اوضاع طبيعية لحركة راس المال(غير متازمة) فان قيمة قوة العمل قد تم دفعها الى صاحبها(اي الى العامل)[١٢]. يتم بيع البضائع المنتجة في حلقة البيع (C'-M') كما هو الحال في الصيغة السابقة. من اجل معرفة اسباب وكيفية زيادة القيمة (انتاج فائض القيمة) يجب ان ندقق، دون شك، في مرحلة P اي عملية العمل. و لكننا نصادف في هذه الصيغة ايضا (الى حد تعلق الامر بتبيان وتوضيح مصدر فائض القيمة) نواقص رئيسية. فهي رغم كونها تزودونا بصورة اوضح عن عملية العمل، مقارنة بالصيغة العامة (M-C-M') الا انها تبقى في المرحلة التي تكشف فيها عن التغير الخارجي لراس المال اي تحول راس المال من شكله النقدي الى شكله المنتج، و بعد ذلك الى شكله السلعي و مرة اخرى الى نقد، انها تنحصر في هذا الاطار. ان هذه الصيغة مجردة بقدر الصيغة (M-C-M'). تكشف الصيغة التفصيلية الثانية مكانة عملية العمل في دوران راس المال و اعادة انتاجه ولكن في شكلها المادي و الطبيعي فقط، اي فقط قي المستوى الذي اشرنا اليه في مدخل هذا القسم. تقتصرعملية العمل على كونها تكشف في هذه الصيغة كيف ان العمال يقومون، من خلال الاستفادة من وسائل الانتاج و مواد العمل، بانتاج بعض البضائع الاخرى ولن تقترب في كل الاحوال من توضيح مسالة كون قيمة السلع المنتجة اكبر من قيمة السلع التي استخدمت في انتاجها. هنا يتم عرض عملية العمل بمعناها العام، اي بمعنى كونها عملية مشتركة في كل الانظمة الاجتماعية، و بمعنى كونها عملية يتم انتاج القيمة الاستهلاكية في سياقها. ولكننا اذا اردنا توضيح كيفية زيادة القيمة (انتاج فائض القيمة) يجب، كما اشرنا سابقا ان نقوم بتحليل عملية العمل من زاوية انتاج القيمة وليس من زاوية انتاج القيمة الاستهلاكية. ان الخاصية المميزة لعملية العمل في النظام الراسمالي هي امكانية تبيان "الشروط العامة للانتاج" (العمل ووسائل العمل) من خلال مفهوم القيمة. ولذلك اذا اردنا تبيان الكيفية التي يتم فيها انتاج فائض القيمة، يتوجب علينا ان نبحث بدقة عن صيغة او علاقة تكشف العلاقة الثنائية بين العمل و وسائل العمل ليس بوصفها علاقة بين اشياء مختلفة بكيفيات مختلفة بل بوصفها كميات مختلفة في شئ واحد (القيمة).

يتضح مما سبق لماذا لم يقيد ماركس نفسه باطار الصيغة السابقة، في سياق توضيحه جوهر ومحتوى راس المال(ازدياد القيمة) ومسار واسلوب دوران راس المال.(سنبين لاحقا كيف ان المفاهيم التحريفية المرتبطة بمسالة التبعية تنطلق من نفس هذا الادراك الصوري لراس المال وللمفاهيم والمقولات المتعلقة بمساره ودورانه). يعرض ماركس، من اجل توضيح كيفية انتاج فائض القيمة وتحول النقد الى راس مال صيغة اخرى تكشف باختصار الخطوط الرئيسية لنظرية الاستغلال واراء ماركس الاساسية حول قوانين حركة الاقتصاد الراسمالي والتناقضات الداخلية لمسار تراكم راس المال. تحلل هذه الصيغة راس المال ليس بالاستناد على الاشكال المتعددة التي يتخذها ضمن مسار دورانه وحركته الخارجية "نقد، بضاعة، وسائل الانتاج" بل استنادا الى انقسامه وتجزئته الداخلية حيث ينشطر الى جزئين "الراسمال الثابت" و "الراسمال المتغير". صار ماركس، بعد اكتشافه الخاصية المزدوجة لقوة العمل "بوصفها سلعة"، يبين بان الجزء المتغير من راس المال، اي الجزء الذي يتم صرفه لشراء قوة العمل، يزداد ويتطور. ان قوة العمل هي البضاعة الوحيدة التي تنتج، باستهلاكها، قيمة جديدة. تضيف وسائل الانتاج والمواد الخام قيم اجزائها المستهلكة فقط الى البضاعة النهائية، ولكن حينما يتم استهلاك قوة العمل اثناء العملية الانتاجية يتم الحصول على قيمة اضافية اكبر من القيمة التي تم استخدامها. ان اساس انتاج فائض القيمة هو استغلال العمل. من اجل الكشف عن جوهر ومحتوى راس المال يستخدم ماركس، صيغته المعروفة:[١٣]

(٢)    

القيمة الاجمالية W = فائض القيمة S + الراسمال المتغير V + الراسمال الثابت C

بعكس الصيغة السابقة التي تحلل الاشكال والكيفيات التي يتخذها راس المال اثناء مسار دورانه، تعرض المعادلة الجديدة راس المال حسب كمية القيمة. فالاجزاء المختلفة للمعادلة(الراسمال الثابت، الراسمال المتغير وفائض القيمة) تظهرهنا بوصفها مجرد كميات متعددة لشئ واحد اي القيمة وان كون هذه الاجزاء تتخذ اي شكل من اشكال القيمة لن يؤثر على علاقاتها(كل ما يجب معرفته هو وسائل الانتاج هي الوسائل المادية للراسمال الثابت وان وسائل الاستهلاك تشكل الوسائل المادية للراسمال المتغير وان بامكان فائض القيمة، ان تعبر عن نفسها في اية بضاعة). ان هذا التجريد لشكل محدد من وسائل الانتاج، الاستهلاك ولناتج عملية العمل هو تجريد موضوعي، واقعي ويحدث في المجتمع الراسمالي بشكل عملي و دون معرفة هذه الميزة الخاصة بالمجتمع الراسمالي لايمكن ادراك و توضيح كيفية تطوره. ان الرسمال هو عبارة عن قيمة تتزايد وتتراكم. هذا هو جوهر راس المال. ان عملية ازدياد القيمة هي نقطة البداية في تحول النقد الى راس المال، ولكن:

"يمكن الحديث عن هذه الكمية من النقد، بوصفه راسمالا فقط عندما يتم الاستفادة منها من خلال صرفها لزيادتها... ولذلك يبدو واضحا من هذه الصيغة البسيطة لراس المال (او راس المال المستقبل) سواء في حالته النقدية او القيمية بان كل ما له علاقة بالقيمة الاستهلاكية قد تم قطعه واندثر. بل ان الامر الاوضح من ذلك هو انه قد تم تجاوز كل العلائم المحيرة وغير المرغوبة لعملية العمل الواقعية (انتاج البضاعةو...الخ). ولذلك تكشف الخاصية والسمة المميزة للانتاج الراسمالي عن نفسها بهذه البساطة وهذا الشكل المجرد. اذا كان الراسمال الاولي قيمة مقدارها × فانه يتحول الى راسمال ويحقق غرضه عندما يصبح ×∆ +× فقط. اي عندما يتحول الى مقدار من النقد او القيمة يكون مساويا لمجموع الراسمال المستخدم اضافة الى مبلغ فائض، بعبارة اخرى عندما يتحول الى اجمالي من النقد والنقد الفائض او الى اجمالي من القيمة وفائض القيمة. بناءا على ذلك يظهر ان انتاج فائض القيمة، التي تضمن الحفاظ على القيمة الاولية المستخدمة هو الهدف المحدد، القوى المحركة و الهدف النهائي للانتاج الراسمالي. النتائج ص٩٧٦ - خطوط التاكيد من ماركس".

و بهذا الشكل يقوم ماركس بصياغة المعادلة الثانية بوجه المعادلة الاولى التي تبين التحول النوعي لراس المال، جوهر الانتاج الراسمالي و علاقة راس المال على الصعيد الكمي، على اساس عملية ازدياد القيمة و حيث يوضح باختصار، في المعادلة الثانية، كيفية تزايد القيمة. ان هذه المعادلة هي، بالضبط، مانحتاجه من اجل معرفة مسار حركة راس المال. بعد ذلك يتسائل ماركس كيف تتحول x الى x + Δx كيف يتوسع راس المال؟ في معرض اجابته عل هذا السؤال يقوم ماركس و بشكل تدريجي بتوضيح مكانة راس المال المتغير ضمن التقسيم الداخلي لكل الراسمال وكذلك بالكشف عن الخاصية المزدوجة لقوة العمل، و يبين الشكل العام ل x + Δx بصيغة المعادلة ٢ اي C+V+S. بعد استخراج هذه المعادلة يستنتج ماركس ما يلي:

"بناءا على ذلك فان الدور المتميز لراس المال، وبالمعنى الدقيق للكلمة، هو انتاج فائض القيمة، وكما سنبين لاحقا، فانها ليست سوى انتاج عمل اضافي، والسيطرة على عمل غير مدفوع الاجر، في مجرى عملية الانتاج الواقعية، يتجسد هذا العمل غير مدفوع الاجر في فائض القيمة".
(النتائج ص - ٩٧٨، خطوط التاكيد من ماركس)

ولذلك عندما نتحدث عن ضرورة التحرك انطلاقا من جوهر علاقة راس المال والقيام بعد ذلك بتوضيح الاشكال المختلفة لتاثير راس المال والنظام الراسمالي انما نقصد بالضبط ضرورة الانطلاق من المعادلة الثانية. ذلك ان هذه المعادلة هي التي استخرج ماركس منها مفاهيمه الاساسية لنقده الاقتصادي للمجتمع الراسمالي. انها مفاهيم يجب على الماركسين ان يتعلموها في الخطوة الاولى بوصفها ادوات نظرية دقيقة وان ياخذوها بنظر الاعتبار اثناء التحليل. تحدثنا سابقا عن مقولات الراسمال الثابت والراسمال المتغير وفائض القيمة. وسنشير الان الى الىالمقولات والعلاقات الاساسية الاخرى التي يمكن استنتاجها على اساس المعادلات السابقة:

وهكذا يستند ماركس على هذه المعادلة ليستنتج ويشرح القوانين والعلاقات الاساسية لحركة راس المال في اعمق مستوياتها: قانون تركز وتمركز راس المال، ميل معدل الربح نحو الانخفاض، تقسيم مجموع الراسمال الاجتماعي الى الاجزاء المختلفة (وسائل الانتاج، البضائع الاستهلاكية - الضرورية والكمالية) اعادة الانتاج الموسع والتراكم، قيمة الانتاج ومعدل الربح، العمل المنتج والعمل غير المنتج...باختصار تحليل القوانين العامة للتراكم وحركة راس المال وتناقضاتها الداخلية. ان كل ذلك مبني قبل اي شئ على المعادلة السابقة التي تكشف باختصار كيفية انتاج فائض القيمة، كيفية ازدياد القيمة عن طريق استغلال العمل الماجور.

والان وقبل الانتقال الى بحث مكانة هاتين المعادلتين في مسالة التبعية، يجب ان نستعرضهما سوية مرة اخرى:

١) المعادلة الاولى تكشف مسار التحول الخارجي لراس المال وتحوله من شكل الى اخر.

(١)

كما قلنا، تبين هذه المعادلة راس المال من الخارج و كذلك الشكل الذي يتخذه في كل آن وحين ولهذ السبب تحديدا تعجز عن تبيان جوهر واساس راس المال الذي ليس سوى زيادة القيمة عن طريق الاستغلال. الا ان المعادلة الثانية تبين جوهر ومحتوى راس المال:

(٢)    

القيمة الاجمالية W = فائض القيمة S + الراسمال المتغير V + الراسمال الثابت C

لادراك قوانين وتناقضات حركة راس المال ولمعرفة الاشكال المحددة التي يتجسد فيها راس المال يجب معرفة العلاقة بين المعادلتين السابقتين و معرفة مكانة كل منهما في تحليل المجتمع الراسمالي على الصعد المتعددة. والان لو اخذنا هاتين المعادلتين بنظر الاعتبار بقدر تعلق الامر بالطروحات المتعلقة بمسالة التبعية، التي تحدثنا عنها في الجزء الاول من هذا الكراس و اشرنا اليها باختصار في هذا الجزء، لتبين لنا الطروحات البرجوازية السائدة على تحليلاتهم. وكذلك المعادلة التي تستند عليها كل تحليلاتهم؟ ومن اية معادلة تنبع تلكم المقولات والمفاهيم التي يستندون عليها في تحليل الراسمالية التابعة؟ على المعادلة الاولى دو شك. خلال محاولة تحليل الراسمالية التابعة تعّرف هذه الاراء مقولة راس المال والانتاج الراسمالي ضمن اطارها ومظهرها الخارجي وتكتفي بالتعرف عليها في حدودها المحسوسة التي تبينها التجربة اي انها محصورة ضمن اطار المعادلة الاولى. لانها تتناسى تماما جوهر المعادلة الاولى التي هي العلاقة بين العمل وراس المال ولانها تبرر التميز بين الراسمالية الوطنية والراسمالية التابعة بعوامل مثل التبعية النقدية، التكنولوجية، والموقع الجغرافي للسوق او بجودة ورادءة البضاعة المنتجة (استنادا الى قيمتها الاستهلاكية) :

١) التبعية النقدية: بعبارة ادق تعني بان مالك النقد الاولي، في المعادلة ١ ليس ايرانيا، اوان هذا المالك هو، الاحتكارات الاجنبية، مثلا وهذا ما يشكل بحد ذاته تقدما في الصياغة. لاتتجاوز هذه الصياغة المتعلقة بالراسمالية التابعة في ادق اشكالها المعادلة الاولى لان الملكية القانونية للنقد لاتكشف باي شكل من الاشكال كيفية انقسامه الى راسمال ثابت و متغير وكيفية قيامه بالاستغلال على هذا الاساس...ومدى تاثيره عليه. فمهدي بازركان الذي كان قبل عام حبيب "مؤيدي البرجوازية الوطنية" قادر على بيع مصنع الحديد والصلب الذي يملكه الى راسمالي اجنبي، او لنقل اسهل من ذلك ان يتحول هو بنفسه الى تابع لامريكا بل ان يكشف هذه التبعية بنفسه دون ان يطرا اي تغير على المعادلة ٢.

٢) التبعية التكنولوجية: مرة اخرى لو حللنا هذا النوع من التبعية لتوصلنا الى النتيجة التي مفادها ان حلقة (وسائل الانتاج –النقد)، البائع الواردة في المعادلة ١ هو جهة اجنبية.الامر الذي يعني البقاء ضمن الاطار المحدود للمعادلة المذكورة مرة اخرى.ذلك ان المعادلة الثانية لاتتضمن اي مصدر لشراء الراسمال الثابت: من اين جاء ومن هو مالكه القانوني او الحقيقي.

٣) الموقع الجغرافي للسوق: بعبارة ادق ان المشتري في حلقة البيع (النقد النهائي – بضاعة)، المعادلة١ هو "اجنبي" مرة اخرى يتم تناسي كل المقولات والمفاهيم التي يذكرها ماركس بصدد انتاج فائض القيمة في المعادلة ٢. ان مسالة المكان الذي يبيع فيه الراسمالي بضاعته والى من سيبيعه، لا تؤثر على العلاقة المتبادلة للراسمال الثابت، الراسمال المتغير، يوم العمل، درجة الاستغلال ذلك ان هذه العلاقات كانت قد تكونت قبل اجراء عملية البيع.

٤) التقييم الاخلاقي (الحرفي) لقيمة السلعة الاستهلاكية المنتجة: ان تصور كون الراسمالي التابع ينتج بضاعة "رديئة"، "غير مفيدة"! و"هابطة" وغير ضرورية بعكس الراسمالي "الوطني" الذي ينتج بضائع "جيدة، مفيدة، ضرورية و ممتازة"! يستند ايضا على اطار لايتجاوز المعادلة ١. يحلل هذا التصور مسالة التبعية، البضاعة المنتجة ('C) الواردة في المعادلة الاولى من زاوية الحاجة الى استهلاك بضاعة محددة "او انه يستند على الرغبة الماوراء الطبقية التي تتمنى تطور القوى المنتجة". ان كون عملية العمل ستؤدي الى انتاج اية قيمة استهلاكية وفيم يمكن استخدامها، سواء اكانت علكة الاطفال ام صواريخ نووية، جريدة "الثورة الاسلامية" ام سكاكين ذات الياي...، لاتبين شيئا عن علاقة العمل وراس المال خلال انتاج السلع المذكورة ولاتشير باي شكل من الاشكال الى دور كل تلك المقولات والروابط التي اشرنا اليها. ان جانب التبعية هذه لن تساهم في فتح الافاق امام استكشاف تبعية راس المال الذي يشكل انتاج فائض القيمة جوهره المحدد.

وهكذا تنحصر المفاهيم المتعددة التي ترتكز عليها هذه الطروحات لتفسيرمسالة التبعية ضمن مجال التقسيم الشكلي لراس المال؛ العلاقات القانونية التي تتخذها اشكال راس المال اثناء بروزها، الخصائص الطبيعية للبضائع المنتجة، الموقع الجغرافي لاسواق التصريف...اقول باختصار انها تنحصر ضمن اطار ضيق هو المعرفة الشكلية لرس المال ولتبعيته وهذه ليست نهاية المسالة مع الاسف. ان حلقة: العمل – نقد (M-L) هي ايضا جزء من المعادلة الاولى وان عملية التبادل هذه تؤكد ايضا باننا يجب ان نتجاوز المعادلة الاولى الى الثانية:

"ان الافعال وردود الافعال التي تظهر و تبرز خلال دوران راس المال والتي اشرنا اليها سابقا ليست سوى شراء وبيع قوة العمل بوصفها الشرط الاساسي والضروري للانتاج الراسمالي". (المجلد الثاني - ص٣٥٧)

ولذلك كان على المهتمين بميدان التبادل ودوران راس المال واشكال بروزه في هذا الميدان ان يلتفتوا الى هذا التبادل الخاص ايضا. ولكن لا! يبدو بان هؤلاء "الماركسين" يتجنبون عن سابق اصرار الاشارة الى اسم العامل وقوة العمل والا لكان يوجد في جعبهم مفهوما يشير الى التبعية على اساس قوة العمل... او قد يكون الراسمالي "الوطني"، الذي زود حركتنا الشيوعية بالنظرية الاقتصادية، كالعادة شحيحا في بيعه.

ولكن فيما يتعلق بالتعبير الذي يعرف التبعية بوصفها خاصية كل النظام الرسمالي في ايران اشرنا في الكراس الاول: "ان اغلب الصيغ المطروحة لتعريف النظام الراسمالي التابع تستند على تحليل ميكانيكي للحركات الاقتصادية للبرجوازية التابعة وفي "الواقع يتم تصوير"الراسمالية التابعة بوصفها النظام الانتاجي التابع لراسماليين تابعين" ص١٧. قلنا بانه يتم توضيح تبعية كل النظام الراسمالي، في تلك الصيغ، دون الاشارة الى كل الراسمال الاجتماعي والقوانين العامة لحركة راس المال. وفي الحقيقة ان من يبني فهمه عن راس المال على اساس فردي ومعزول وبالاستناد على المعادلة ١ اي المعادلة التي تبين شكل دوران راس المال سيصبح عاجزا ولن يؤدي به المقام سوى الى الارتكاز بشكل ميكانيكي على مشاهداته الذاتية. والان تتبين هذه النقطة بشكل جلي. ففي الصيغ السائدة تتم الاشارة الى تبعية كل النظام الراسمالي في ايران للمصادر النقدية والائتمانية بوصفها انعكاسا لتبعية جزء كبير من رساميل الراسمالين المالية والنقدية للمصادر الاجنبية، وكذلك الحال بالنسبة للتبعية التكنولوجية وتبعية اسواق التصريف. باختصار، كلما خصص معظم الراسماليين الجزء الاكبر من رساميل البلد لشراء وسائل الانتاج من الخارج او لانتاج بضائع تتوجه "بمعضمها" لاسواق التصريف الخارجية وليس لسد حاجات "الشعب الايراني" فاننا امام نظام راسمالي تابع. بعبارة اخرى استنادا الى هذه التعبيرات ؛ كلما اخذنا حركة كل الراسماليين ضمن المعادلة الاولى بنظر الاعتبار فان عرى ارتباط حلقات تبادل التبعية بحلقات التبادل المستقلة تضعف و تنفصم. ان الراسمالين الذين تكون اموالهم النقدية تابعة، يشترون وسائل الانتاج من الخارج وينتجون بضائع تلبي حاجات الاجانب ويتم تصريفها في الاسواق الخارجية يمتلكون السلطة بالتاكيد لذلك وبناءا على سلطة هؤلاء الراسمالين يتم تعريف وتحديد كل النظام الانتاجي بالتابع.

ان جوهرالراسمالية التابعة كما يتم التعرف عليها وتعريفها في الصيغ البرجوازية السائدة في حركتنا الشيوعية عبارة عن تحديد اعداد واحجام العناصر التابعة والعناصر غير التابعة.

من هذا المنظور يتم استبيان كيفية تاثير هذه التبعية على اقتصاد السوق الداخلية ايضا؛ سلطةالافراد التابعين اي خلق الظروف المناسبة للابقاء على واعادة انتاج هذه السلطة. تبلور تقسيم عمل اجتماعي يخدم فوائد ومصالح الراسمالين التابعين وعدم قيام وتطور صناعة اساسية وثقيلة (دليل الاستقلال التكنولوجي)، عدم نشوء البنوك الوطنية (المؤسسات المالية والنقدية المستقلة)، غياب السوق الداخلية المستقرة والمتطورة (لضمان تحقق اقيام البضائع بشكل مستقل)....

النتيجة السياسية المنطقية لمثل هذه "التحليلات الاقتصادية" معروفة وواضحة؛ اذا كان المحتوى الاقتصادي للثورة الديموقراطية الايرانية يستلزم القضاء على الراسماليين التابعين، فانه يجب انذاك، استنادا الى هذا التصور، ان يتم اسقاط سلطة الراسمالين التابعين (هذه العناصر التابعة التي تفرض خاصية التبعية، بسبب كثرتها على كل الراسمال الاجتماعي). الراسماليين "الوطنيين" (العناصر المستقلة) ليسوا طرفا في هذه المشكلة، بل ان وصولهم الى السلطة سيطور القوى المنتجة، قيام التصنيع الضروري، انتاج السلع الضرورية، تامين الانتاج المستقل، تنظيم التقسيم الاجتماعي للعمل في كل فروع الانتاج على صعيد المجتمع و تامين انتاج السلع في السوق الداخلية والاستغناء بذلك عن استيرادها من الخارج و.. .من نافل القول لو ان المسالة تتوقف عند هذا الحد لكان الامر واضحا، ذلك ان ما اشرنا اليها سابقا هي نظرية اقتصادية برجوازية قلبا وقالبا ولكننا واجهنا خطا سياسيا بورجوا- ليبراليا صريحا، يعتبر البرجوازية "الوطنية" القوة المحركة والقائدة للثورة الراهنة. ولكن المسالة هي ان تلك المفاهيم والتعابير سائدة الان على حركتنا الشيوعية ولذلك يجب اعتبار مسالة كون، ضرورة مشاركة الطبقة العاملة في الثورة الديموقراطية و قيادتها لها، ليس استنتاجا لتلك التحليلات الاقتصادية باي شكل من الاشكال. من هنا يتم اللجوء الى انتقاء مسالة، "تردد البرجوازية الوطنية" واضافته الى التعبير المذكور وتتحول سياسة البروليتاريا العدائية تجاه هذه الكتلة والمبنية على اساس معرفة مصالح الطبقات المختلفة في هذه الثورة وعلى اساس نظرية النضال الطبقي الماركسية الى سياسة مساومة تستند على المشاهدات والتقيمات اليومية لتحرك هذه الكتلة باسلوب تجريبي وتبتذل بالتالي الى حد التاييد المشروط لها.

الاستناد على الاشكال التي يتخذها راس المال اثناء دورانه (المعادلة١) يؤدي بالضرورة الى الارتكاز على مظاهر تحرك البرجوازية كما تبدو في الميدان السياسي، وان نتيجة الشكلية الاقتصادية هي السذاجة السياسية كما تؤدي التجريبية النظرية الى الذيلية على الصعيد العملي.

تبرز نظرية البرجوازية "الوطنية" لتلعب دور منقذة البرجوازية الليبرالية التي تتجاوز بمساعدة النظرية المذكورة دورها التاريخي للتخلص من مازق الثورة والخروج منها سالمة مرفوعة الراس. يتلخص كل عبقرية العلم الاقتصادي البرجوازي، على الصعيد النظري، بتجاهل المعادلة ٢ واخفاء مصدر فائض القيمة؛ مصدر ارباح الطبقة الراسمالية والتي ليست سوى استغلال الطبقة العاملة ويشارك ماركسيونا الشكليون من مؤيدي البرجوازية الوطنية في هذه العملية بشكل واضح عن قصد او دونه، يتخلون عن الماركسية وكل انجازاتها النظرية، يتقبلون اسلوب التفكير والتحليل البرجوازي مما يدفع بهم لتقبل المسائل الاقتصادية الملحة والانية للبرجوازية وعلى صعيد ماهو ضروري لتطور الراسمالية في ايران كالاستقلال النقدي، التكنولوجي و... الخ فان الراسمالي يفهم بشكل افضل منهم بان تحرك الراسماليين المتلهفة والمعطشة نحو تحقيق الربح "حسب التعبير الراسمالي" هو الاساس والمرتكز ويدرك كذلك بانه لو كان بامكان مؤلفات ماركس ان تخدم هذا التطور لما تردد باقرارها مصدرا دراسيا لمادة "الاقتصاد" في المدارس والجامعات.

يتلخص جوهر الراديكالية الشكلية عندنا بالحديث، استنادا على المعادلة١، عن التبادل غير المتكافئ، خروج هذه السلع وتلك الاموال النقدية، نهب هذه او تلك الكمية من الثروة القومية نتيجة للتبادل غير المتكافئ، ان هذه هي ليست سوى راديكالية البرجوازية التي تلجا الى تفسير اسباب تخلفها باتهام الجهة التي تتعامل معها بالغش والتحايل او بافتقارها الى الاوساط التي تجعلها قوية ومقتدرة، او بكون العلاقات القائمة في السوق غير عادلة او باتهام اجهزة ومؤسسات الدولة بالفساد والانحطاط. ولكن مهما تعددت المشاكل التي يعاني منها صاحبنا الراسمالي"الراديكالي" فانه لايواجه اية صعوبات اوعراقيل فيما يتعلق بشراء قوة العمل ضمن حلقة (M-L) في المعادلة الاولى، ذلك انه، وشكرا لمنافسه النهاب والمخادع، لانه يتمكن بفضله من اعادة انتاج قوة عمل رخيصة مقابل مجرد كسرة خبز و قطعة جبن رديئة اضافة الى كوخ حقير من الصفيح، مع اجور منخفضة وغير قابلة للارتفاع وستبقى كذلك رغم تدهور الزراعة (الناتجة عن عملية سلب ملكية الفلاحين وانشاء قوة عمل رخيصة وواسعة) بسبب سياسة الانفتاح وتدفق الواردات من الحاصلات الزراعية والاستغلال الوحشي للفلاحين في ظل دولة "قوية" حيث تنهب الراسمالية الراديكالية ارباحا خيالية رغم عدم مشاركتها المباشرة في السلطة(يقصد سلطة الشاه - المترجم) وحيث تصادر كل اشكال الاضراب والتظاهر من الطبقة العاملة وتنظم حملات الاعتقال والاعدام والتعذيب بحق مناظليها لكي لايؤدي نضالها العادل الى تخفيض القوة الشرائية للراسمال المتغير العائد لكل الراسمالين ولو بمقدار ضئيل.

يدرك الراسمالي "الراديكالي" من امثال مجموعة البازركان، البختياريين ومجموعة بني صدر هذه الحقائق منذ البداية او حينما تتم دعوته بفضل هذه "الراديكالية" التي لاتتجاوز(التملق والرياء) من اجل فهم حجم المصاعب التي تقف امام الحفاظ على سلطة كل الراسمال والتوصل بالتالي الى حلول مناسبة بشانها، عندها يتخلى عن راديكاليته ويندفع بكل قوته نحو الركوع والتسكع على ابواب عائلته الاصلية "الامبريالية" وتقديم البراءة لها عن كل ممارساتها وطلب المغفرة منها لكونها تفوهت قبل الثورة بما قد يزعجها وتلح بطلب العفو منها متعهدة بكل صدق واخلاص ان تقوم باحياء كل العلاقات والاعراف والتقاليد السابقة. ولكن حينما يرى صاحبنا الشكلي الذي كان قد اكتشف حلفائه خلال الثورة اي البرجوازية "الوطنية" ضمن المعادلة الاولى لانه بقي وحيدا في الميدان يصيبه الذهول ويبدا بادئ ذي بدئ وكعادته القديمة بمطالبة العمال بعدم اضعاف دولته "الحليفة" بعدها وبعد ان يتعلم شيئا من التجربة ينصح "البرجوازية الوطنية" التي تخلت عن وعودها ويحذرها من التعامل مع "الاحتكاريين" ويهددها بان يتخذ حيالها موقفا مزدوجا ولكنه عندما يكتشف وبعد فوات الاوان ومن خلال سيول دماء الشعب الكردي، التركماني والعربي ودماء العمال العاطلين في اصفهان ومن خلال عمليات اعتقال وتعذيب عمال نفط الجنوب التي اراقها ومارسها حلفائه السابقين من امثال الشيبانيين والسعادتين ومئات النماذج الاخرى اقول بعدها يدرك صعوبة وتعقيد الاوضاع ويلجا في حالة من التوتر والارتباك الشديدين الى البحث عن "حليف جديد".

ان ما يبعث علىالاسى والحزن الشديدين هو لجوء صاحبنا الشكلي بعد كل ذلك الى اتهام من قام بتنبيهه ومحاولة ارشاده منذ البداية في الوقت الذي يجب ان يعمل على التعرف على اخطائه وسلبياته النظرية والاعتراف الصريح والواضح بها والقيام بجمعها وتحليلها من اجل استخلاص العبر منها للجيل الثوري الناشئ الذي سيلج الميدان بعده. ليس هذا فحسب بل انه يلجا، من اجل الابقاء على سره، الى ممارسة العديد من المناورات والخدع "النظرية". صحيح ان بين هذا الرفيق وبين طليعة الطبقة العاملة بون شاسع! من اجل تجنب هذا الارتباك يجب ان نبدا تحليلنا الاقتصادي من ماركس وان نتقدم معه. فيما يتعلق بمعرفة راس المال يجب ان نبدا مع ماركس من المعادلة الاولى وان نتقدم باتجاه المعادلة الثانية. هذه هي الاداة النظرية الاساسية التي هيئها لنا ماركس لنقد وتحليل النظام الراسمالي. ان نقطة البداية في تحليل قوانين حركة النظام الراسمالي التابع هي معرفة الاوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية لسيادة "علاقة راس المال" على الانتاج الاجتماعي في البلدان التابعة للامبريالية والمبينة باختصار في المعادلة C+V+S ولذلك يجب ان ندرك ان عملية انتاج فائض القيمة في السوق الداخلية للبلدان التابعة تخضع للشروط الامبريالية السائدة للانتاج سواء في السوق الداخلية او في السوق العالمية، بعدها يجب توضيح الاشكال المحددة للتبعية؟ بعد ادراك جوهر التبعية على اساس المعادلة الثانية تحديدا يمكننا توضيح ضرورة بروز هذه التبعية باشكال محددة على صعيد المعادلة الاولى، وكل ذلك بوصفه استخلاصا واستنتاجا للتحليل وليس بوصفه نقطة للشروع به.

٭ ٭ ٭




٢) الشروط التاريخية المسبقة والشروط المعاصرة للانتاج الراسمالي

يصنف ماركس الظروف التي يجب ان تتوفر لقيام وتوسع الراسمالية وسيادة علاقة "راس المال" على الانتاج الاجتماعي الى نوعين:

    أ) المستلزمات التاريخية لتطور الراسمالية.

    ب) الشروط الراهنة للانتاج واعادة انتاج العلاقات الراسمالية.

التمايز بين هاتين المجموعتين من الشروط والمستلزمات هو احد النماذج البارزة للموقف الجدلي "الديالكتيكي" تجاه تطور المجتمعات. فالاقتصاديون البرجوازيين الذين سبقوا ماركس والذين جاءوا بعده كذلك يفسرون التاريخ على فرضية خلود راس المال الى الابد، الا ان الراسمالية هي من وجهة نظر الماركسية ظاهرة محددة ومحدودة بوصفها احدى حلقات تكامل التاريخ الانساني، تبدا من اللاوجود وتصبح موجودا، تبدا بالتبلور في رحم مجتمع اخر استنادا الى مجموعة من اخرى من القوانين "غير السائدة- المترجم" بعدها تقف على رجليها وتفرض قوانين حركتها على المجتمع وتبدا بعد ذلك واستنادا الى قوانينها هي بتهيئة قوانين نظام جديد – الاشتركية- بعبارة اخرى ان الراسمالية كما يقول ماركس: كانت ضرورة قبل ان تتكون.

"شروط ومستلزمات تكون و تطور راس المال تعنيان بانهما ليستا موجودتان بل انهما في حالة النشوء ولذلك فانها ستزول مع تطور الراسمال الواقعي اي الراسمال الذي يقوم بتكوين شروط زمستلزمات تحققه استنادا الى واقعياته الخاصة والمحددة".
(گروندريس ص٣٥٩)

تشكل العلاقةالديالكتيكية بين "الوجود" و "التكون" اساس فلسفة المادية التاريخية. من الواضح باننا اذا لم نراعي الاختلافات بين المستلزمات التاريخية اي ظروف تكون راس المال والاوضاع المعاصرة للانتاج واعادة انتاج راس المال (اي ظروف وجود راس المال) فاننا سنتحول بالضرورة الى اسرى التحليلات البرجوازية واننا سنطرح بالتالي بعض الصيغ البرجوازية حول تطور الراسمالية في ايران.

ولكن كيف يتجسد هذا الانحراف في تحليل الراسمالية الايرانية؟ عدم ادراك ومعرفة التمايز والاختلاف بين هاتين المجموعتين من الشروط والاوضاع اي الشروط التاريخية لتطور الراسمالية من جهة والشروط المعاصرة لانتاج واعادة انتاج الراسمال، سواء على الصعيد الفلسفي او على صعيد التقدم الاقتصادي، يؤدي الى:

اولا: في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن "تطور الراسمالية" في ايران يتم التطرق اولا وقبل كل شيء الى ماضي تطورتلك الراسمالية وتاريخها الموجز، حيث تتم الاشارة الى نماذج منها، مثلا اصلاحات امير الكبير ورئيس اركان الجيش، صناعة السجاد و الكبريت، نشاطات بنك التسليف وبنك الشاه...والخ بوصفها البداية ومتابعة هذا التاريخ الموجز بشكل تدريجي بكل جوانبه المتعددة وصولا الى الوقت الراهن. وثانيا: في الوقت الذي يجب توضيح خصائص نظام الانتاج الراهن في ايران و توضيح "التبعية" و"جذورها التاريخية" يتم عرض التصورات "الفنية" او "التكنيكية" الميكانيكية بشكل عام تجاه مسالة التبعية، هذه التصورات التي لاتبغي في الواقع توضيح تبعية الراسمالية بل تعمل على تحديد عناصرها: الصناعة، التجارة والدولة في ايران. ولذلك فانها ترتكز تماما على التصور التحريفي السابق لتطور الراسمالية وان تبعية الراسمالية في ايران تعني -خصائص – الراسمالية في ايران بوصفها بلدا تابعا، خاضعا للامبريالية، انها تبعية يجب توضيحها ليس على اساس الظروف التاريخية لبروز الراسمالية في ايران بل على اساس القوانين الحية، الراهنة والخاصة بالنظام الراسمالي، القوانين التي تفرضها الراسمالية بالذات على النظام السائد بعد تطورها.

ان انتاج تبعية الراسمالية الايرانية واعادة انتاجها تتمان وفقا للقوانين المعاصرة لحركة راس المال في عصر الامبريالية ولذلك يجب توضيحها وفقا لتلك القوانين بالذات. عندما تصدر جهة مثل "راه كارگر- طريق العامل" حكما بان: "الراسمالية التابعة هي ناتج تقسيم عمل مفروض عالميا وانه على هذا الصعيد يجب ان يكون معلوما ان لادراك الحقيقة التي مفادها ان التبعية في البدان التابعة هي تاريخيا اقدم من الراسمالية، اهمية فائقة"، خطوط التاكيد من عندنا. عندما تلجا جهة ما الى توضيح التبعية بهذا الشكل المجرد والمنتزع من علاقاتها المحددة و تضفي عليها، تاريخيا، معاني ومحتويات محددة، بل انها تتصور بان التبعية أقدم من الراسمالية فانها لن تلجا الا الى تفسيرها بالاستناد الى مقولات ومفاهيم لاتنسجم ضمن اطار التاريخ بمعنى كونها مقولات ومفاهيم تشترك فيها كل الانظمة الانتاجية وانها تسبق وجود الراسمالية ولذلك لن تكشف بالضرورة اي شيئ عن الراسمالية في ايران وليست توضح بالتالي اي شيئ محدد عن النضال المحدد الذي يجب على البروليتاريا الايرانية ان تلجا اليها استنادا الى قوانين حركة الراسمالية في ايران. ان جهة او شخصا مثل هذا سيضطر الى تفسير فائض القيمة في بلد تابع للامبريالية، اي الراسمالية في اعلى مراحلها، بواسطة المقولة اللاتاريخية "النهب". ان القول "ان التبعية تسبق الراسمالية زمنيا" يتجه بالرفيق الى نقطة يعتقد فيها بان هذه التبعية هي تحصيل حاصل "لتقسيم عمل مفروض"، نعم تقسيم عمل و مفروض وبان كليهما يسبقان الراسمالية! و يعتقد كذلك بان نهب المصادر المصادر الطبيعية هو نتيجة لهذه التبعية وهو ايضا يسبق الراسمالية!

الا تؤدي مثل هذه التصورات والمواقف الى رفض نظرية لنين عن الامبريالية واحلال نقد معاهدة "گولستان" و "توركمانجاي" مكانها؟. الا تؤدي مثل هذه الاراء والمواقف الى دحض مسالة ضرورة توضيح الرجعية السياسية استنادا الى قوانين حركة الراسمال الاحتكاري واللجوء محل ذلك الى تحليل اسس "الديمقراطية" والدكتاتورية في الاسلام او الفرق الاسلامية؟ الا يؤدي ذلك الى الغاء مسالة الحاجة الى تحليل وتفسير علاقات العمل / راس المال في ايران استنادا الى انجازات ماركس العلمية والتوجه محل ذلك الى تحليل وتفسير احوال واوضاع الحاج ميرزا اغاسي؟ الا يبشرنا ذلك باشياء اخرى من هذا القبيل؟ ان رفاق "زحمت" يتجهون في الوقت الراهن لطرح مثل هذا الافق امام الحركة العمالية! [١٤]

الا ان طريقة ماركس تختلف تماما: فهو يؤكد على اختلاف الشروط التاريخية المسبقة عن الظروف والمستلزمات المعاصرة للنظام الانتاجي وهو يؤمن ثانيا بان الشرط الضروري لمعرفة تاريخ تكون اية ظاهرة هي عبارة عن معرفة الظاهرة ذاتها بوصفها اعلى واكمل نتيجة لمسار تطورها وتكاملها هي بالذات. اذا لم يدرك احد ما بان النظام الراسمالي هو عبارة عن "وحدة عملية العمل وعملية انتاج فائض القيمة" واذا لم يدرك بانه يتم انتاج فائض القيمة على اساس وجود واعادة انتاج قوة العمل بوصفها بضاعة فانه يعجز تماما عن كتابة تاريخ الراسمالية ذلك انه يجهل من الاساس العلاقات والعوامل والظواهر والاحداث التاريخية التي يجب ان يتعقبها. اذا اعتبر احد ما بان الراسمالية هي التصنيع فانه سيدون، في ميدان التاريخ، "تاريخ التصنيع" و "ليس تاريخ الراسمالية".

"المجتمع الراسمالي هو اكثر الانظمة الانتاجية تطورا وتعقيدا ولذلك فان معرفة المقولات التي توضح تلك العلاقات وادراك نوعيتها يمهدان السبيل نحومعرفة انماط بناء وعلاقات الانتاج في ظل الاشكال والاطر الاقتصادية السابقة، ان اثار وبقايا تلك الاشكال والاطر والوسائل والعناصر المكونة لها قد تداخلت في تركيب المجتمع البرجوازي. ان جزءا من تلك الاثار التي لم تضمحل لاتزال حية في المجتمع البرجوازي الا ان اجزاءا اخرى كانت جنينية في السابق تطورت الان وصارت حيوية جدا. ان تشريح الانسان هو مفتاح تشريح القرد، الا ان ادراك ذلك يستوجب اكتشاف ان انواع من الحيوانات المتخلفة تحمل علائم وصفات سائدة ومعروفة لدى الانواع المتقدمة. وعلى هذا المنوال فان الاقتصاد البرجوازي يوفر لنا مفتاحا للتعرف على اقتصاد العهد القديم ولكن اذا اتفقنا مع الاقتصاديين الذين يتجاهلون كل الخلافات التاريخية ولايرون في كل الظواهر الاجتماعية سوى ظاهرة برجوازية سوف لن نصل الى هذا الفهم مطلقا. اذا ادرك احد ما "الريع" فان بامكانه ان يفهم ماهي الاتاوة والخمس والزكاة وما الىذلك، علما انه لايمكن اعتبار كل هذه الامور مسالة واحدة". (ماركس «منهج الاقتصاد السياسي» نقلا عن كتاب «نقد الاقتصاد السياسي»، الطبعة الانگليزية ص٢١٠-٢١١). بدا "المجتمع البرجوازي بنقده الذاتي بالضبط عندما تمكن من معرفة الاقتصاد الاقطاعي والقديم وكذلك الشرقي نفس". (المصدر ص٢١١)

ذكرنا مرارا وفي كتابات مختلفة و خاصة في الجزء الاول من "الاسطورة" هذه العبارة: "بعد قيام النظام الراسمالي لايمكن الحديث مطلقا عن وجود البرجوازية الوطنية". تاكيدنا على عبارة "قيام النظام الراسمالي" هو لاننا ناخذ الاختلاف الذي اشرنا اليه بصدد التميز بين الشروط التاريخية المسبقة والظروف الراهنة بنظر الاعتبار. هيأ لنا ماركس الاداة النظرية للاجابة على سؤالين رئيسين مطروحين لدينا، الاول هو: في اية مرحلة تاريخية واستنادا الى اية ظروف نطلق "راسمالي، على نظام انتاجي محدد؟ بمعنى اخر: كيف يتم قيام المجتمع الراسمالي؟ والثاني هو: ماهي قوانين حركة المجتمع بعد قيام المجتمع الراسمالي؟ او بعبارة اخرى ماهي القوانين الاقتصادية المستقلة لحركة النظام الراسمالي؟

اجابة ماركس على هذين السؤالين واضحة جدا. سنحيل تحليل السؤال الثاني والاجابة عليه الى الكراس القادم، اما الان سنجيب باختصار على السؤال الاول وننهي هذا الكراس.

١) يقوم الانتاج الراسمالي حالما تتحقق مستلزماته التاريخية المسبقة التي هي عبارة عن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية لتحول النظام الانتاجي من الاقطاعية الى الراسمالية، ما نعنيه هنا بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية ليست التحولات التي تجري على اساس القنونة الداخلية للنظام الراسمالي بل على اساس التحولات الجذرية للمجتمع الاقطاعي وان قوانين ذلك العصر هي قوانين سقوط الاقطاعية اي قوانين عصر تطورت فيه القوى المنتجة وتوسعت في رحم هذا النظام، تحطم العلاقات الاقتصادية الاقطاعية الضيقة وتهيا لسيادة سلطة راس المال على علاقات الانتاج الاجتماعية، الى الحد الذي يتمكن فيه النطام الجديد من الارتكاز على قوانين حركته المستقلة. (تحدث ماركس بالتفصيل في مؤلفاته المختلفة وخاصة في "الاشكال الاقتصادية ماقبل الراسمالية" فقرة، التراكم الاولي لراس المال، راس المال - المجلد الاول و گروندريس وخاصة في الصفحات من ٧١الى ٢٥٩، عن المستلزمات التاريخية المسبقة لنشوء وتطور راس المال، واشار لنين كذلك في مدخل كتابه "تطور الراسمالة في روسيا" الى المعالم الرئيسية لهذه الظروف). ان التحليل الذي يطرحه ماركس عن المستلزمات التاريخية للانتاج الراسمالي هو بحد ذاته تاكيد علىالمعرفة الديالكتيكية عن راس المال بوصفها اندماج لعملية العمل وعملية انتاج فاض القيمة. ذلك ان هذه المستلزمات هي بالذات نفس التحولات الاجتماعية والاقتصادية الذي تعطي اولا نتائج عملية العمل (القيمة الاستهلاكية) وبعد ذلك عناصرها المكونة(العمل ووسائله) طابعها السلعي لتربط بذلك عملية العمل ليس بعملية انتاج القيمة فقط بل بعملية انتاج فائض القيمة ايضا. ان تطور التقسيم الاجتماعي للعمل، توسع التبادل والقيمة التبادلية، البضاعة والنقد، انفصال الصناعة عن الزراعة والانخفاض النسبي للسكان العاملين في الزراعة....هي شروط ضرورية لظهور الاقتصاد البضاعي بوصفه شكلا اوليا وجنينيا للانتاج الراسمالي. ولكن كما اشرنا سابقا فان انفصال المنتجين المباشرين عن وسائل الانتاج تحول قوة العمل الى سلعة وهذا ما يحول الانتاج البضاعي الى مستوى الانتاج الراسمالي. "ان انفصال المنتجين المباشرين عن وسائل الانتاج اي انتزاع الملكية منهم والذي يساير التحول من الانتاج البضاعي البسيط الى الانتاج الراسمالي(ويتضمن الشرط الضروري لهذا التحول) ان ذلك يخلق السوق الداخلية. لنين، تطور الراسماية في روسيا-ص٣٤". من اجل بيان كيفية نشوء الانتاج الراسمالي يبدا ماركس من جوهر راس المال (اي الصراع الديالكتيكي للعمل وراس المال) ويعتبر العملية التاريخية التي تتحول خلالها قوة العمل الى بضاعة على صعيد اجتماعي واسع، المستلزمات التاريخية لسيطرة الانتاج الراسمالي ويقوم بتحليلها. تنشا السلعة، النقد مع مسار ظهور الانتاج البضاعي جنبا الى جنب الانظمة التي تسبق الراسمالية ولكن:

"ان النقد والبضاعة ليستا راسمالا بذاتيهما كما هو حال وسائل الانتاج والاستهلاك. بل يجب ان يتحولا الى راسمال. ولكن هذا التحول هو عملية ممكنة في ظروف معينة. ظروف تجتمع فيها عند نقطة معينة: حيث المواجهة والتلامس بين شكلين متمايزين تماما من اصحاب البضائع، فمن جهة مالكي النقد، وسائل الانتاج ووسائل الاستهلاك التواقين لشراء قوة عمل الاخرين في سبيل زيادة ما يملكون من ثروات ومن جهة اخرى العمال الاحرار الذين يبيعون قوة عملهم اي عملهم".[١٥]
(المجلد الاول - ص ٦٦٨)

كما اشرنا سابقا، ان الشرط الضروري لتحقيق هذه المستلزمات المسبقة لنشوء الراسمالية، على الصعيد التاريخي، هو انفصال المنتجين المباشرين عن وسائل الانتاج، انفصال الظروف الذاتية عن الظروف الموضوعية:

"ولذلك فان العملية التي تكون علاقة راس المال ليست سوى العملية التي تفصل العمال عن ملكيتهم لوسائل معيشتهم، انها العملية التي تؤدي الى احداث تحولين يؤديان الى تحول الوسائل الاجتماعية للانتاج والاستهلاك الى راسمال وتحويل المنتج المباشر الى عامل اجير ولذلك فان ما يطلق عليه التراكم الاولي لراس المال ليس سوى العملية التاريخية لفصل المنتجين عن وسائل الانتاج".
(المجلد الاول - ص٦٦٨)

باختصار، ان توسع الانتاج البضاعي البسيط ضمن الانظمة الانتاجية المختلفة يؤدي الىتطوير الاسس، المقولات والظواهر الاقتصادية الراسمالية، و لكن المقطع التاريخي المحدد الذي يعلن فيه الانتاج الراسمالي عن قيامه الصريح، النهائي والقطعي ليس سوى وصول عملية سلب الملكية وانشاء جيش العمال الماجورين الىنهايته. تعتبر هذه النقطة، على الصعيد التحليلي البداية الحقيقية لنمط الانتاج الراسمالى ولتحركه المستقل. ولكنها، تاريخيا، غير قابلة للتحديد باليوم والساعة والدقيقة. "يتخذ تاريخ نزع الملكية اوجها مختلفة في البلدان المختلفة وتتجاوز مراحلها المتعددة في عصور مختلفة. المجلد الاول - ص٦٧٠". في انكلترا حيث يدرسها ماركس بوصفها النموذج الكلاسيكي، تبدا عملية سلب الملكية منذ اواخر القرن الخامس عشر لتصل الى نهايتها في اواخر القرن الثامن عشر. ورغم ذلك فان سلب الملكية من المنتجين المباشرين وولادة البرولتياريا بوصفها الطبقة المستغلة الرئيسية في المجتمع والتي تعبر مؤشرا لولادة البرجوازية بوصفها الطبقة المستغلة الرئيسية في المجتمع ولسيادة علاقة راس المال وانتاج فائض القيمة على عملية العمل لم تكن عملية غير مستمرة او يمكن التخفيف من اثارها ونتائجها خلال القرون الثلاثة، وفي النقطة التي تصل فيها هذه العملية الى نتيجتها النهائية، تسجل بعلامات بارزة في تاريخ الظلم الذي رزح له الكادحين، كما يشير ماركس: اذا كان بوتيه يقول "بان النقد حينما يلج العالم، يحمل على وجهه بقعة دم" الا ان الراسمال يولد غارقا من اخمص قدميه حتى قمة راسه بالدماء والعفونة" (الجزء الاول ص ١٢-٧١١).

بناءا على ذلك يتضح بان ماركس يدرك جيدا ماهي مؤشرات بروز وقيام النظام الراسمالي. فمن بين ذلك العدد الكبير من المقولات والعلاقات والظواهر التي لكل منها دورا وموقعا ملموسا في تطور التاريخ البشري وفي تاريخ ظهور الراسمالية، يحدد ماركس النقطة التي تتمركز فيها نواة ظهور الصراع بين العمل وراس المال. يدرك ماركس "تشريح" النظام الراسمالي ولذلك فانه يعي جيدا ما يتعقبه، خلال المسارالتاريخي لتكامل هذا النظام. فهو، من اجل التيقن فيما اذا كانت الراسمالية موجودة ام لا، لايتعقب "الصناعة الثقيلة"، "السوق الداخلية المتوازنة"، "التكنولوجيا المتطورة"، "السلع الرديئة" والقصور العالية وناطحات السحاب و... الخ. انه يعتبر الراسمالية مختلفة عن كل الانظمة الانتاجية السابقة، انه يعتبر الراسمالية "اندماج عملية العمل وعملية انتاج فائض القيمة" ولذلك يؤكد على ان النظام الراسمالي يتحدد قبل كل شيء باستعراض وتكوين المكون الجوهري الداخلي لعملية الاندماج المذكورة، اي الصراع بين العمل الماجور للعامل المجرد من الوسائل وراسمال البرجوازي المالك للوسائل. من اجل معرفة نوع القوانين الاقتصادية لحركة المجتمع اي اسلوب الانتاج الاجتماعي يوجهنا ماركس ان نقوم اولا بتحليل عملية سلب الملكية ويحثنا على التوجه الى مكان حيث تكون للذكريات المعقدة لسكان الريف المحرومين من الارض والاحاديث القروية لعمال المدن قيمة نظرية وتحليلية اكبر، من القيام بمقارنة اعمدة مداخن "معامل ايران" بمثيلاتها في "البلدان الصناعية المتطورة"، على مؤيدي "البرجوازية الوطنية"المحصورين ضمن النماذج التي يوردونها و القوالب التي يرتكزون عليها والذين يصرون على انكار سيادة العلاقات الراسمالية في ايران ويستشهدون لاثبات ذلك بتخلف ايران الصناعي ان على هؤلاء ان يصفوا حسابهم مع ماركس والتاريخ: هل تم سلب الملكية ام لا؟ هذا هو السؤال الرئيسي، اما بالنسبة لاحصاء المداخن فهو امر سنقوم به لاحقا!.

ان ادراك اهمية عملية سلب الملكية بالنسبة لتطور الراسمالية التاريخي يدفع كل الماركسين، في سياق تحليلهم لمعرفة مدى كون العلاقات الراسمالية سائدة في المجتمع نحوالبحث عن كيفية تحقيق هذه العملية(انجازها او عدم انجازها) في ايران. تبرز المسالة في البداية كالتالي: هل تم سلب الملكية من الفلاحين واصحاب الصنائع في المدن على نطاق واسع ام لا؟ هنا يبرز جليا الفوضى والارتباك النظري لمؤيدي نظرية، شبه المستعمر-شبه الاقطاعي. فمؤيدو هذه الاتجاهات ينكرون، من جهة سيادة علاقات الانتاح الراسمالية في ايران، الا انهم من جهة اخرى يثرثرون كثيرا عندما يجري الحديث عن "فضح" نظام الشاه والمصائب التي الحقها بسكان الريف بسبب "الاصلاح الزراعي" خلال سنوات ٦٦-٦٧. ما هذا التناقض! تم تجريد ملايين المنتجين المباشرين من وسائل انتاجهم الا ان نمط الانتاج الاقطاعي ظل مستمرا!. سنقوم في ابحاثنا القادمة بتحليل عملية سلب الملكية في ايران ونركز بشكل خاص على المرحلة النهائية لهذة العملية خلال اعوام ٩٦٦-٩٦٧ و سنعمل على التصدي بوضوح لهذه الاراء البرجوازية. يذكر ان شرح الخطوط العامة لتصوراتنا حول المسالة المذكورة ورد في كتاب "الشيوعيون والحركة الفلاحية بعد الحل الامبريالي للمسالة الزراعية" و كذلك في مقدمة الترجمة الفارسية لكراس لنين" سبعة مقالات عن مسالة الارض".

نكتفي هنا بالاشارة الى ان اعتبار النظام الانتاجي في ايران اقطاعيا، هو دعوة الطبقة العاملة الايرانية الى انتظار"تطور "المحرر" اي البرجوازية "الوطنية" هذا "الامام الغائب لمناشفة ايران" وفي اوضاع تم في ظل سيطرتها "اي في ظل سيطرة البرجوازية الوطنية- المترجم" وبفضل سلب الملكية من الملايين من سكان الارياف وسحق اوضاعهم المعيشية تامين ارخص اشكال قوة العمل في العالم للبرجوازية نقول ان ذلك ليس سوى تغطية الاستغلال الوحشي للنظام الراسمالي، وعلى الصعيد السياسي ليس سوى التخلي عن الطبقة العاملة الحية والتي تصارع في هذه اللحظة بضراوة.

تاليف: منصور حكمت

ترجمة: جلال محمد

٭ ٭ ٭


الهوامش

[٧] يجب ان نسال "المناضلين من اجل حرية الطبقة العاملة" بصراحة: اين وصلت الاراء التي وردت في كراس "تحليل الاوضاع السياسية القادمة" وكراس "الاوضاع السياسية ومهمامنا" واين وصلت الامال الليبرالية التي كانوا يعلقونها على حكومة "البرجوازية الوطنية" ويبشرون بها ومتى وفي اي سند مدون وغير مدون قمتم بانتقادها وكيف توصلتم الى ارائكم الراهنة؟. يجب ان نسال "النضال في سبيل تحرر الطبقة العاملة" بصراحة: ماهي الابحاث الماركسية والمراجعات النظرية التي استندتم عليها عندما شطبتم اسم "البرجوازية الوطنية" من "الفهرس الطبقي" المنشور في العدد ١٤ في جريدتكم "النضال"؟ وان نسال كذلك مجموعة "الكفاح من اجل تحرر الطبقة العاملة" التي نشرت ضمن بلاغ قصيرطلبا الى مؤيديها بحذف وشطب كلمة "الوطنية" التي تلازم البرجوازية من كل الادبيات السابقة التي اصدرتها المنظمة المذكورة اذا ارادوا نشرها مجددا، بحجة كون المنظمة المذكورة لم تعد مقتنعة بهكذا مقولة او ظاهرة استنادا الى ابحاثها، اقول يجب ان نسال ماهي الابحاث التي تقصدونها بالتحديد؟ كذلك يجب ان نسال منظمة "فدائي الشعب"، وان بامل اضعف، التي نشرت في العدد ٢ من جريدة "العمل" رسالة مفتوحة الى حبيبها رئيس الوزراء الامبريالي والرجعي حتى النخاع، تبين فيها بانها "الناقدة الرئيسية" للدولة وتوجه المديح الى حكومة بازركان لانها، كما تدعي، تختلف جذريا، عن حكومة "هويدا" و "شريف امامي" و تطالب الجماهير و خاصة" لجان الامام الخميني" بعدم وضع العراقيل امامها، اقول يجب ان نسال هذه المنظمة: ماهي الابحاث النظرية، واقصد بالطبع ابحاثا يمكن نشرها في جريدة العمل العدد٢٤، التي استندتم عليها لاعتبار "البرجوازية الوطنية و التقدمية" مجرد اسطورة تخدم الامبريالية؟

ان نماذج المواقف الراهنة لمنظمة فدائئ الشعب هو تحذير جدي لكل القوى التي تتجاهل توجيه انتقاد ماركسي الى اخطائها النظرية وترى في نظرياتها مجرد وسيلة لتبرير ممارساتها وسوق الاعذار لمواقفها. مواقف وممارسات عاجزة تلهث خلف مسار التجربة والاحداث السياسية.

"السياسة التحريفية عبارة عن تحديد اساليب عملك وممارساتك انطلاقا من الحدث الراهن الىالحدث القادم. ان محاولة الانسجام مع احداث الساعة والتغافل عن المصالح الجذرية للبروليتاريا والخصائص الرئيسية لكل النظام الراسمالي ومجمل التكامل التدريجي للنظام المذكور مع كل تغيرسياسي بسيط وطارئ والتضحية بهذه المصالح في سبيل المصالح الآنية، سواء اكانت هذه المصلحة واقعية او خيالية ومفترضة. ان هذه الماهية بالذات تفرز بوضوح مثل هذه السياسة التي تتخذ اشكالا متعددة بل ولا نهائية بحيث تبرز مع كل مسالة "جديدة" وكل حدث غير متوقع الى حد ما. اذا ادى كل ذلك الى تغيرات مهما كانت بسيطة ومؤقتة في مسار التكامل الاساسي فانه سيؤدي حتما ودائما الى بروز اشكالا معينة من التحريفية. لنين، الماركسية والتحريفية، في مجلد واحد، الفارسية ص٢٢".

ان تغير القوى التي كانت مقتنعة بوجود "البرجوازية الوطنية" والدور التقدمي "لها" في ثورتنا الراهنة والمحاولات التي تبذلها من اجل السكوت عن هذا التغير وكان شيئا جديدا لم يطرأ هي محاولة ساذجة وغبية الى درجة ارتفع معها نعيق البرجوازية نفسها. ففي كراس معنون ب"نهاية الخط الثالث" بقلم "التجمع الماركسي – اللينيني من اجل تاسييس الحزب الشيوعي الايراني" يطل علينا منظروا اجهزة الجمهورية الاسلامية لتحريف الماركسية - اللينينية "مطالبين" باستعادة الحقوق المصادرة للبرجوازية الوطنية "ومذكرين الحركة الشيوعية" بالحفاظ على وعودها". ان ذكر بعض النماذج من "انتقادات"السادة المذكورين ستكون مفيدة:

"هل يبقى مجال للشك بان الدعاية الراهنة لمؤتمر الوحدة تختلف جذريا عما كان معترفا بها قبل عدة شهور من قبل اطراف المؤتمر المذكور؟ الم تكن اطراف الخط ٣ تقيم نفس هذه الفئات والطبقات والشخصيات (يقصدون "البرجوازية الوطنية" وساستها) التي تشكل الهيئة الحاكمة الراهنة، بالتقدمية؟ اذن لماذا يلزم مؤتمر الوحدة الصمت عن وطنية الحكومة الراهنة ولاينبس ببنت شفة عنها؟ وهل ان القوى التي اصرت، لمدة ثلاثين على مواقفها المستقلة، رغم كل الحرمان والبؤس الطبقي، غيرت طبيعتها خلال ستة اشهرام ان مؤتمر الوحدة هو الذي غير موقفه بشكل جذري حسب مصالحه السياسية الآنية؟ الجواب واضح وهو ان كونفراس الوحدة الذي اضطر بسبب عجزه الى التخلي عن كل ارائه وافكاره وان المسالة هي على درجة من التفاهة بحيث لايكتفي هؤلاء باختيار السكوت تجاه وطنية الحكومة الراهنة، الامر الذي يلعب دورا ملموسا على صعيد السياسة والتكتيك البروليتاريين تجاه البرجوازية الوطنية فحسب، بل انهم يركزون على تبعية هذه الحكومة للامبريالية في تحريضهم المعادي لها" ص ١٠.

اننا وبقدر تعلق الامر بمسار تجربة "الخط الثالث" والذي يدفعه باتجاه اللينينية تجاه مقولة "البرجوازية الوطنية" وخاصة اذا تمكنت القوى المذكورة من ترسيخ "تبعية النظام الراهن للامبريالية"، نستقبل ذلك بحرارة بالغة ولكن الكلام السخيف الذي ورد في مقال "نهاية الخط ٣" يحمل درسا اساسيا لكل الشيوعيين وهو انه اذا لم نقم نحن بانتقاد اخطائنا ونواقصنا من وجهة نظر البرولتياريا وبهدف توعيتها وتطوير نضالها، فاننا سنمهد السبيل امام البرجوازية للاستفادة من تلك النواقص والاخطاء و تذكيرنا بها وتحويلها الى وسيلة لاتهامنا وانكار شرعية نضال الحركة العمالية والشيوعية وقمعمها بالتالي.

[٨] من اجل تحليل قوانين حركة المجتمع البرجوازي بدا ماركس، في راس المال من مقولة وظاهرة البضاعة ومن خلال الكشف عن التناقضات الرئيسية الداخلية لها – القيمة التبادلية والقيمة الاستهلاكية - استنتج تدريجيا علاقات القيمة، العمل المجرد الضروري اجتماعيا، النقد وبالتالي "علاقة راس اللمال".

[٩] والان لو اجرينا مقارنة بين كلا عمليتي انتاج القيمة وانتاج فائض القيمة لتبين لنا بان الاولى (فائض القيمة) هي عبارة عن توسيع الاولى (القيمة) الى حدود معينة. فمن جهة لو لم تتجاوز هذه العملية النقطة التي يدفع الراسمالي فيها للعامل قيمة مساوية تماما لمعادلها لكانت هذه العملية هي انتاج القيمة فقط ومن جهة ثانية لو تجاوزت هذ القدر المحدود لتحولت الى انتاج فائض القيمة" (الجزء الاول ص ٩٠- ١٨٩).

[١٠] من الواضح ان التبادل غير العادل لايكشف كيفة نشوء فائض القيمة. ذلك ان الربح الذي يحصل عليه احد الطرفين يعني خسارة الطرف الاخر وان هذه الخسائر والارباح المتقابلة سوف تتعادل على صعيد كل الراسمال الاجتماعي. ولذلك ليس بامكان فائض القيمة ان تنشأ من التبادل غير المتساوي بين اصحاب البضائع. ولمزيد من التوضيح انظروا الجزء الاول من راس المال، البند الخامس "تناقضات الصيغة العامة لراس المال". حيث يبين ماركس بشكل جلي ان مصدر فائض القيمة ليس في ميدان الدوران اصلا، ويكشف عن التناقض العام لراس المال كالتالي: "ولذلك ليس من الممكن انتاج راس المال من خلال التبادل، وايضا ليس ممكنا ان يكون لراس المال مصدرا غير الدوران. نستنتج من ذلك ان راس المال يجب ان يكون في ميدان الدوران وان لايكون فيه ايضا. ها قد توصلنا الى نتيجة مزدوجة. المجلد الاول ص١٦٣".

[١١] من اجل المزيد من الايضاح حول الصيغة العامة لراس المال (المعادلة الاولى في بحثنا) ومن اجل التعرف على الجوانب المتعددة لحلقات التبادل ودوران العوامل والاقسام المتعددة لهذه الصيغة انظروا: راس المال، المجلد الثاني، البنود من ١-٣.

[١٢] "تتحدد قيمة قوة العمل، في المجتمع الراسمالي، كاية بضاعة اخرى، بالمدة التي يستغرقها انتاج واعادة انتاجها. بافتراض وجود العامل فان انتاج قوة العمل هو نفس اعادة ذات العامل اي ادامة بقائه. فمن اجل الابقاء على العامل يجب توفير قدرمعين من المواد الاستهلاكية ولذلك فان الزمن الضروري لانتاج قوة العمل هو نفس الزمن الضروري لانتاج ذلك المقدار من المواد المذكورة، بعبارة اخرى قيمة قوة العمل هي قيمة المواد الاستهلاكية الضرورية لمعيشة العامل. المجلد الاول ص ١٦٧". من اجل المزيد عن موضوع علاقةالاجر(قيمة قوة العمل المبذولة خلال مدة معينة) وقيمة قوة العمل، راجع المجلد الاول، فصل ١٩" تحول قيمة قوة العمل الى اجر".

[١٣] من اجل معرفة كيفية استخراج هذه المعادلة، راجع راس المال، المجلد الاول، الفصول ٨ و ٩ وكذلك "النتائج المباشرة لعملية العمل".

[١٤] اذا كنتم تتصورون بان هناك في الامر مبالغة ما فانتبهوا الى ما يلي: "كان صراع الروحانية والمرجعية ضد النظام الدكتاتوري من اجل حكومة انقلابية، اشد خطرا من ذي قبل، فالنظام حاول رسملة العلاقات الاجتماعية لازالة نفوذ وتاثير الروحانية ولكنه فشل في ذلك". (طريق العامل، مقال: كابوس الفاشية او الفاشية الواقعية، القسم ١ ص ٢٥). بعد ان تتحول نظرية الامبريالية اللنينية الى نظرية "النهب" تعمل (طريق العامل) جاهدة، على "تجاوز" نظرية المادية التاريخية لماركس. تضاف مقولتا "المرجعية والنظام" اللاتاريخيتان الى مقولة "النهب" و "تقسيم العمل المفروض" و....وحينما تمسك طريق العامل بزمام هذه الظواهر الغريبة والعجيبة تستحوذ على قوة وطاقة سحرية. ظواهر ليست تسبق الراسمالية، زمنيا فحسب، بل انها على علم بالتكامل التاريخي للمجتمعات وتغير العلاقات الاجتماعية وظهور الراسمالية ايضا و....ان ايران ليست سوى نموذجا صغيرا للصراع الذي يدور بينها! فالمسالة هنا لم تعد قلب القوانين المادية لحركة المجتمعات وتصويرها معكوسة واحلال عوامل التحولات الفوقية والشكلية محل عوامل البناء التحتي بكل ما ماتحمله من قوة محركة فحسب، بل هي الظواهر الثابتة والازلية التي تغير كلا المجموعتين من العوامل، بحيث تستهدف الواحدة منها اضعاف الاخرى وبكون تلك الظواهر قوية وراسخة الى درجة تعجز هذه التغيرات عن التاثير على مسار المعضلات المزدوجة بينهما!. وان شرح كيفية (ضرورة، امكانية، مسار) تحول ايران الى الراسمالية على اساس وبسبب صراع المرجعية ضد النظام (وبادعاء بقائهما بمحتوى ثابت وبحضور سياسي دائم رغم تغير العلاقات الاجتماعية) هو نموذج "تاريخي" لما اشرنا اليه.

[١٥] قد يكون مفيدا ان نستشهد بالمقطع التالي من ماركس لكي يتضح ما يعنيه ب"العامل الحر":

"وهكذا لكي يصبح بامكان مالك النقد ان يحول ماعنده الى راس مال، يجب ان يتعامل في السوق مع العمال الاحرار. للحر معنى مزدوج، لكي يتمكن العامل من بيع قوة عمله هو، بوصفه انسانا حرا ومن جهة اخرى كونه لايملك اية بضاعة اخرى للبيع، باختصار ان يكون محروما" متحررا" من كل وسيلة تضفي على قوة عمله شكلا ماديا. راس المال، المجلد الاول، ص١٦٦".


٭ ٭ ٭


hekmat.public-archive.net #0111ar.html